أعادت المدارس فتح أبوابها في فرنسا الأسبوع الماضي. وشكّل ذلك الخطوة الأولى نحو رفع ثالث إغلاق تشهده البلاد، خطوة ستجلب مخاطر وبائية، وستزيد من الضغط السياسي على الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يخوض معركة إعادة الانتخاب العام المقبل.
محيط ماكرون يرفض وصف إعادة الفتح التدريجية بـ«المجازفة»، رغم أن ذلك هو الانطباع السائد. فالمستشفيات ما زالت تتعرض لضغط شديد. وبعد أشهر من التردد بشأن ما إن كان ينبغي إغلاق البلاد من جديد، لا تريد الحكومة رفع آمال الناس كثيراً بخصوص إمكانية استئناف خدمات المطاعم والحانات في الهواء الطلق في مايو. والحال أنه إذا لم يتسن ذلك، فإنه سيصبح واضحاً بشكل مؤلم مدى البطء الذي كانت عليه حملة التلقيح الفرنسية في البداية، كما سيشكّل ذلك اختباراً قاسيا ًلقبول الجمهور لشبكة القيود التي كانت مفروضة، من ارتداء الكمامات في الهواء الطلق إلى حظر التجوال.
ومما يجعل الأمر ملحاً أيضاً غريمة ماكرون اليمينية المتشددة مارين لوبين، التي درجت على وصف انتكاسات فرنسا بخصوص الوباء بـ«الفشل». فصحيح أن كوفيد 19 منع شعبية ماكرون من السقوط وأسكت مناوئيه، ولكن ذلك الامتياز المبكّر بات يواجه خطر التآكل في هذه المرحلة من الوباء. فالشهر الماضي، وضع استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة إيبسوس في حالة تعادل مع لوبين بنحو 25% من الأصوات. ونظراً لطبيعة النظام الانتخابي الفرنسي المكون من دورتين، فإن الرئيس البالغ 43 عاما من المرجح أن يفوز مع ذلك بجولة انتخابية ثانية، ولكن بتقدم أقل إقناعاً من 2017.
والواقع أن قاعدة ماكرون الانتخابية المؤلفة من «عمال الياقات البيضاء» الميسورين بشكل رئيسي ما زالت تدعمه – وقلة قليلة منهم فقط تعتقد أن لوبين، البالغة 52 عاماً، كانت ستتعاطى بشكل أفضل مع الوباء – ولكن دفعه في اتجاه الإصلاحات الاقتصادية والتكامل الأوروبي لم يعد يجد صدى قوياً.
كوفيد 19 جعل الفرنسيين المؤيدين لمنح الحكومة المركزية صلاحيات كبيرة عموما يتوقون إلى تدخل أكبر للدولة وإلى التلاحم الوطني: ذلك أن 85% من الناس مستعدون لدفع أسعار أعلى من أجل سلع مصنوعة في فرنسا، و57% يعتبرون فرض ضرائب على الأغنياء والشركات أفضل رد على انعدام المساواة، و54 % يعارضون مزيداً من الهجرة، وفق استطلاع رأي أنجزته مؤسسة إيبسوس الشهر الماضي. وفضلا عن ذلك، فإن عبارة «أوروبا تقوم بالحماية» التي يرددها ماكرون صارت منفّرة، إذ يعتبر معظم الناس استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الجائحة إخفاقا.
وهذا الأمر أتاح فرصة لمارين لوبين، التي تتوق إلى أن تُثبت أنها منافسة حقيقية خارج قاعدتها المؤلفة من «عمال الياقات الزرقاء» والعمال الريفيين بشكل رئيسي. فقد تخلت لوبين عن أفكار اقتصادية غير شعبية، مثل مغادرة اليورو أو الاتحاد الأوروبي، بينما ركزت على محاربة الإرهاب، وتقليص الهجرة، والتخفيف من معاناة الشركات الصغيرة التي تئن تحت وطأة الإغلاق.
سياساتها لم تفصّل ولم تطوّر بعد، ولكن نقاط حديثها الانتهازية تشمل استفتاء حول الهجرة، و«استفتاء مضادا» حول البيئة، والقوانين السلطوية للدفاع عن العلمانية.
ولئن لم تبدّد لوبين بعد المخاوف التي يعلّقها معظم الناخبين على ترشحها، فإن حملتها حققت لحزبها تطبيعاً تدريجياً، مثلما يشير إلى ذلك مؤشر «شيطنة» يتعقب تصورات الجمهور من قبل مؤسسة جو جوريس البحثية.
لقد تغير الكثير في ظروف عقدين. وصار اسم لوبين الآن قوة متوقعة في أي انتخابات.
ماكرون، الذي يشعر بالضغط والحاجة إلى إثارة إعجاب حشد أكبر، يسعى أيضا إلى إعادة اختراع نفسه. إنه يميل يميناً؛ فقد وعد بتوظيف 10 آلاف شرطي جديد، وتمرير قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، وقمع «الانفصالية» الإسلاموية.
ولكن الخطر بالنسبة لماكرون، المصرفي والوزير الاشتراكي السابق، هو أنه يُجرُّ إلى بيئة لا يشعر فيها بالراحة؛ وفي بعض الحالات، إلى مواضيع سبق أن رفضها من قبل، مثل فرض مزيد من القيود على ارتداء الحجاب والتي مررها مجلس الشيوخ الفرنسي مؤخرا. والحال أن هذه التكتيكات لا تعمل دائماً كما خطط لها: فقد فشل ساركوزي في إعادة الانتخاب في 2012 بعد أن ركز على المخاوف الأمنية. وبالنسبة لماكرون، الخطاب الحالي بعيد بسنوات ضوئية عن الخطاب الذي جعله رئيساً في 2017.
وعليه، فإن أفضل دفاع ضد لوبين هو إدارة كوفيد- 19 بشكل أفضل من هنا فصاعداً. فالأسس موجودة، ذلك أن وتيرة عمليات التلقيح ترتفع و«صندوق التعافي الأوروبي» من المرتقب أن يؤتي أكله العام المقبل. وإذا كان أداء الاقتصاد أفضل، فإن ذلك سيكون في مصلحة ماكرون.
ولا شك أنه سيكون من المفيد محاكاة المثالية التي نراها في الولايات المتحدة مع «الصفقة الجديدة» التي أتى بها جو بايدن أو إيطاليا مع حكومة الوحدة التي يقودها «ماريو دراغي». فالأمن الوظيفي، وتغير المناخ، والصحة العامة هي المواضيع التي تتصدر قائمة انشغالات الناخبين، وتتطلب رؤى أكبر من رؤية لوبين. وإذا كانت لدى الناخبين ثقة كبيرة في قدرة ماكرون على دعم الشركات التي تعاني، مثلما أظهر استطلاع حديث لمعهد إيفوب، فإن ذلك يعزى إلى عقلية «مهما كلف الأمر»: فقد بات عجز ميزانية فرنسا في أعلى مستوى له منذ 1949، ودينها العام يفوق 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
إن هذه أيام مبكّرة في دورة الانتخابات، واحتمال أن تصبح لوبين رئيسة ما زال منخفضا. ولكن بالنظر إلى الخطر السياسي الذي يضاعف ضغط الوباء، فإنه ينبغي التحرك الآن. وعلى الرغم من قتامة الصورة التي ترسمها استطلاعات الرأي، إلا أن رؤية أكثر تفاؤلاً لفرنسا قد تذهب إلى أبعد مما يعتقده الناس.
*كاتب متخصص بشؤون فرنسا والاتحاد الأوروبي
بنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»