ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً أمام الكونجرس بعد مائة يوم من دخوله البيت الأبيض، وهذا الخطاب يشكل تقليداً راسخاً في الحياة السياسية الأميركية، ولكن هذه المرة مر الخطاب في ظروف استثنائية فرضتها الأزمة الصحية وطبيعة النظام الدولي الحالي.
في هذا الخطاب حاول جو بايدن طمأنة المواطن الأميركي الذي يعاني من التخوف من المستقبل ومن اللايقين ومن التداعيات الاقتصادية الداخلية والدولية لجائحة كورونا. قال الرئيس الأميركي بالحرف: «بعد مائة يوم، يمكنني أن أقولها للبلاد: أميركا تمضي قدماً مرة جديدة». وأضاف «أميركا مستعدّة للانطلاق. نحن نعمل مرّةً جديدة، نحلم مرّة جديدة، نكتشف مرّة جديدة، نقود العالم مرّة جديدة. لقد أظهرنا لبعضنا البعض وللعالم أنه لا يوجد استسلام في أميركا». وشدد على أن هذا الجهد الوطني يجب أن يُركز الآن على إعادة بناء الاقتصاد ومحاربة عدم المساواة من خلال «أكبر خطة عمل منذ الحرب العالميّة الثانية»، ودعا الرئيس الأميركي إلى زيادة المساهمات الضريبيّة بالنّسبة إلى الشركات والأميركيّين الأكثر ثراءً، وذلك من أجل تمويل خطته لمساعدة العائلات.
وبشر جو بايدن الأميركيين بأن «أكثر من نصف البالغين تلقّوا جرعة واحدة على الأقلّ»، وأن «الوفيات بين كبار السنّ انخفضت بنسبة 80% منذ يناير». وأضاف بحذر «لا يزال هناك عمل يتعيّن فِعله للتغلّب على الفيروس»، وقد تلقّى أكثر من 96 مليون شخص يمثلون حوالي 30 في المائة من المواطنين جرعتي اللقاح. وفي قرار عالي الرمزية، أعلنت السلطات الصحية أن الأميركيين المحصنين لم يعودوا في حاجة إلى وضع الكمامات في الخارج إلا في الأماكن المكتظة.
ولتثبيت السلم الاجتماعي والتخفيف من تداعيات مقتل جورج فلويد منذ ما يزيد على سنة، دعا الرئيس الأميركي مجلس الشيوخ إلى تمرير مشروع قانون رئيسي من أجل إصلاح الشرطة يحمل اسم الأميركي من أصل أفريقي «جورج فلويد». وناشد الرئيس الكونجرس التصويت نهائياً على هذا النص الذي تمّ تبنيه في مجلس النواب.
أما في الجانب الدولي، فقد تناول بالأخص موضوع علاقات أميركا مع الصين، وهو الموضوع الذي يشغل بال المتتبعين وعمار النظام العالمي، فقد أكد الرئيس الأميركي عدم «السعي إلى نزاع مع الصين»، لكنه عبّر في الوقت نفسه عن «الاستعداد للدّفاع عن المصالح الأميركيّة في المجالات كافّة». وقال «خلال مناقشاتي مع الرئيس شي (جين بينغ)، أخبرته بأنّنا نؤيّد المنافسة» ولكن في المقابل «سنحارب الممارسات التجاريّة غير العادلة» و«سنحافظ على وجود عسكريّ قوي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ» و«لن نتخلى عن الدفاع عن حقوق الإنسان». ولكن رغم هذا الكلام الدبلوماسي، فإننا على يقين أن القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الهائلة للقوتين العظميين تجعل التوتر الحالي أخطر من ذاك الذي حدث في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وهذه نظرة كبار الاستراتيجيين الذين يتخوفون من المرحلة المقبلة، وعلى رأس هؤلاء نجد تحليل الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر، وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، ومهندس التقارب التاريخي بين واشنطن وبكين في سبعينيات القرن الماضي. ففي منتدى استضافه المركز الفكري «ماكين اينستيتيوت» أكد كيسنجر أن هذه «أكبر مشكلة للولايات المتحدة، وأكبر مشكلة للعالم بأسره». فعلى الرغم من أن خطر نشوب نزاع نووي كان كبيراً خلال الحرب الباردة، إلا أن التقدم التكنولوجي الحالي في مجال الأسلحة النووية، والذكاء الاصطناعي، وهما قطاعان تتصدرهما الولايات المتحدة والصين، أديا إلى «مضاعفة خطر نهاية العالم». فللمرة الأولى في التاريخ، تمتلك البشرية القدرة على التدمير الذاتي في وقت محدود. وطورت القوتان تقنيات تتمتع بقوة كان لا يمكن تصورها قبل سبعين عاما. فالمسألة النووية في نظره تضاف الآن إلى المسألة التكنولوجية التي ترتكز، في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى واقع أن الإنسان يصبح شريكا للآلة، وأن الآلة يمكنها تطوير حكمها الخاص، وفي نزاع عسكري بين قوتين تكنولوجيتين عظميين، يرتدي هذا الأمر أهمية كبرى.
أثناء الحرب الباردة لم يكن الاتحاد السوفييتي قوة اقتصادية، وكانت قدراته تختزل في التكنولوجيا العسكرية، أما الصين اليوم فتمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية معا وهنا الفرق، وبدون حوار دائم وعقلاني بين أميركا والصين قد يصل النظام العالمي المقبل إلى ما لا يحمد عقباه.
* أكاديمي مغربي