ينص الدستور الأميركي في المادة الأولى منه على أنه يجب إجراء إحصاء لكل السكان الذين يعيشون في البلاد مرة كل عشر سنوات. هذا الاستفتاء ينظم منذ عام 1790 ويتوخى عدة أهداف، أهمها أن العدد النهائي للسكان هو الذي سيحدّد عدد المقاعد المخصصة لكل ولاية من ولايات البلاد في مجلس النواب. وهذا الأخير يحدّد بدوره عدد الأصوات الانتخابية التي لدى كل ولاية في «المجمع الانتخابي» الذي ينعقد كل أربع سنوات من أجل التصويت لصالح مرشح رئاسي.
النتائج الأولية لاستفتاء 2020 أُفرج عنها في 26 أبريل 2021، وتقدم عدداً من الخلاصات المثيرة للاهتمام، أولاها أن عدد سكان الولايات المتحدة يبلغ 331 مليون نسمة، وأنه يُعد ثاني أبطأ معدل نمو في التاريخ الأميركي. وتعود أسباب ذلك إلى تراجع في الهجرة ومعدلات الولادات منذ 2010. ومن المرتقب أن يعلَن عن النتائج الكاملة للاستفتاء في سبتمبر المقبل، غير أن عدداً من العوامل أخذت تتضح منذ الآن وقد تكون في صالح «الجمهوريين».
هذه المؤشرات الأولية تمنح «الجمهوريين» بعض الارتياح لأن الولايات التي يسيطرون عليها سيصبح لديها الآن عدد أكبر من المقاعد مخصص لها في الكونجرس. وهكذا، سيذهب «كرسيان» إضافيان إلى تكساس، وكرسي واحد إلى كل من فلوريدا وكارولاينا الجنوبية ومونتانا. وبالمقابل، ستفقد ولايات ديمقراطية إلى حد كبير مثل كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي بعض المقاعد. وفي ما يبدو تعويضاً لتلك الخسارة، ستحصل كل من كولورادو وأوريغون وواشنطن على مقعد إضافي، بينما ستخسر فرجينيا الغربية مقعداً واحداً. وإلى أن تظهر صورة أكثر تفصيلاً للخصائص السكانية المتغيرة للبلاد، سيظل عدم اليقين هو سيد الموقف. وعلى سبيل المثال، فإن معظم سكان تكساس الجدد من المحتمل أن يكونوا من الأقليات التي تصوّت لصالح «الديمقراطيين» عادة، غير أنه نظراً لأن المجلس التشريعي لتكساس يخضع لسيطرة «الجمهوريين»، فإن هؤلاء سيعمدون إلى إعادة توزيع المقاعد وسيفعلون ذلك بطريقة تحدُّ من القوة التصويتية للناخبين الحضريين الجدد.
إحصاء 2020 أجري تحت في ظروف صعبة بسبب الوباء، إذ كان موظفو الإحصاء عرضة للإصابة بالفيروس، وكان من الصعب أكثر إحصاء السكان في المناطق الفقيرة. ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية ستعني عملية إعادة توزيع كبيرة للموارد الفيدرالية، وذلك على اعتبار أن الولايات التي عرفت نمواً سكانياً مرتفعاً ستحصل على أموال أكثر من أجل الرعاية الصحية والعديد من البرامج الفيدرالية الأخرى التي تُمنح وفق التوزيع السكاني.
ولعل التأثير الأكثر إثارة للاهتمام على المدى الطويل ربما هو الذي سنراه في تكساس، التي صوّتت لصالح «الجمهوريين» خلال الأربعين عاماً الماضية وتُعتبر ولاية «حمراء» قوية بـ40 صوتاً انتخابياً. غير أن بعض المحللين يعتقدون أن الولاية تتجه نحو الفئة «الأرجوانية» ببطء وأنه في وقت ما من منتصف القرن من المحتمل أن تصبح الولاية «زرقاء». هذا الاتجاه تفسّره التركيبة السكانية للولاية، ذلك أن من بين المهاجرين الجدد إلى «ولاية النجمة الوحيدة» أشخاصاً فقراء ويائسين من المكسيك وأميركا الوسطى وكوبا والكاريبي، وجميعهم تقريباً من الهيسبانيك، أو من ذويي الأصول اللاتينية. وفضلاً عن ذلك، هناك عدد متزايد من المهاجرين الشباب الحاصلين على تعليم جيد من المدن الشمالية وكاليفورنيا، والذين يُعتبرون بشكل عام ليبراليين في مظهرهم ولن يقبلوا الطابع الأكثر محافظة لسكان تكساس البيض الذين ينظرون إلى أنفسهم على نحو متزايد على أنهم مجموعة مهدَّدة سينتهي بها الأمر إلى فقدان وضع الأغلبية الذي تتمتع بها الآن في الولاية.
ولكن ليس كل المهاجرين الجدد سيكونون ليبراليين. ذلك أن الأسر الهيسبانية لديها قيم وتقاليد عائلية تقليدية قوية، وهي مرتاحة لدور الدين في الحياة السياسية، ومعارضة لأفكار اليسار الراديكالي وسلوكه بشكل عام. ولكن الشباب المتعلم القادم إلى تكساس، وإن كان ليبرالياً، إلا أنه نادراً ما يكون راديكالياً ما عدا في ما يتعلق بموضوع العرق، كما أنه يؤيد كثيراً الحاجة إلى توفير مزيد من المساواة في المجتمع، وإصلاح نظام العدالة الجنائية غير المناسب والوحشي في كثير من الأحيان والذي يُعد جد مجحف في معاملته للأقليات.
ولا شك أن الخوف من أن يغيّر المهاجرون الجدد المشهد السياسي لتكساس هو أحد الأسباب التي تجعل الأغلبية «الجمهورية» الحالية مصمِّمة على تمرير قوانين انتخابية أكثر تقييداً بسرعة، قوانين يبدو أنهم يعتقدون أنها الطريقة الوحيدة لتجنّبهم خسارة السلطة في نهاية المطاف.