توظيف الدين - أي دين - لأهداف سياسية، يخرج الدين من حالة عقائدية إيمانية إلى وضعه كطرف في العملية السياسية بكل ما تحويه من نزاعات وتوافقات وتسويات، حينها لا يصبح ذلك الإيمان ديناً، بل تياراً سياسياً ميزته التطرف؛ لأنه يستخدم واهماً فكرة «المقدس» لتحصين نفسه من النقد، وهي حيلة لا تستقيم في عالم السياسة والعلاقات الدولية.
«الإسلام هو الحل» ليست قاعدة صحيحة في عالم السياسة، حتى في أول مواجهة سياسية من أجل السلطة في بواكير التاريخ الإسلامي بعد وفاة النبي، كانت المواجهة تحمل ملامح نزاع سياسي واضح على السلطة، وهو نزاع طبيعي لم يخرج عن حدود المألوف في سلوكيات البشر والمجتمعات، بدأ برغبة فئة «اجتماعية» هي الأنصار بأن يكونوا رؤساء الدولة «الناشئة»، فكان المؤتمر الطارئ والعاجل في سقيفة بني ساعدة لرأب الصدع ضمن سلوك سياسي بحت لم يدخل فيه دين ولا حسمته آية أو قاعدة فقهية، بل تصرف ارتجالي من سياسي «عمر بن الخطاب» حين تصرف بسياسة الأمر الواقع وبايع أبابكر الصديق، بقوله «مد يدك أبايعك»، فقضي الأمر ساعتها بتحركات سياسية لم يكن فيها، لا من قريب ولا من بعيد، قاعدة تقول إن «الإسلام هو الحل».
هذا السلوك السياسي الأول في تاريخ الإسلام، حمل في طياته بذور كل ما هو سياسي بعدها، بدءاً من تذمر «الأنصار» الذي استمر بعد ذلك، وليس انتهاءٍ بخلاف بني أمية وبني هاشم أولاد العمومة على السلطة، وقد ظهرت ملامح الخلاف بامتعاض علي بن أبي طالب منذ مؤتمر السقيفة الأول، وتجلت باغتيال عثمان الأموي، وما بعد ذلك من نزاعات ومعارك سياسية لم يفصل بينها ولو للحظة قاعدة «الإسلام هو الحل».
كان الظهور الأول للقاعدة في عملية «اغتيال ثلاثي» مركبة استهدفت علي بن أبي طالب في الكوفة، ومعاوية بن أبي سفيان في دمشق، وعمرو بن العاص في مصر، أخفق الجناة في قتل معاوية وعمرو، ونجحوا في تصفية علي بن أبي طالب في الكوفة، كان شعارهم في القتل هو ذات الشعار الذي استخدمه تيارهم السياسي الإقصائي المتطرف: لا حكم إلا لله.
وحسب المأثور، فإن عبدالرحمن بن ملجم، وهو العنصر المكلف بتصفية واغتيال رأس الدولة «المختلف عليه سياسياً» في الكوفة، كان لا يقطع فرضاً ولا نافلة من السنن، وملتزماً بكل الفروض حد التصلب، بقدر التزامه بنقع خنجره في السم ثلاثين يوماً لضمان موت رأس الدولة ابن عم النبي وصهره والوارد اسمه في قائمة حصرية من عشرة مبشرين بالجنة، وحين طعنه وقت الفجر وصلاتها، صرخ ابن ملجم بالشعار السياسي: إن الحكم لله. وهو شعار «عقائدي- إيماني» لا يمكن تطويعه لحال السياسة وتفاصيلها، لكنه كان تصريحاً بالقتل والإقصاء الدموي، مغلفاً بغلاف ذهبي تم توظيف اسم الله المقدس فيه لتمريره على البلهاء. هؤلاء، كانوا الخوارج، ولا زالوا في زماننا تحت أسماء مختلفة، تماماً مثلما هي صرخة القاتل ابن ملجم «إن الحكم لله» هي الصيغة الجذرية الأولى لشعار «الإسلام هو الحل».
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا