أحداث العالم لا يمكن لها أن تتوقف، كما ليس بمقدور أحد، مهما كانت قوة استشرافه، التنبؤ بأن لها حدوداً لا بد أن تتوقف عندها، لذلك فإن معرفة متتاليات أي حدث من الأحداث، تعدّ من أشد الصعوبات التي تواجه المحللين ومراكز الدراسات، وحتى أولئك المدفوعون بفضول شديد إلى معرفة ما الذي سيكون في اليوم التالي لأي حدث، لا يسجلون في التنبؤ درجةً لافتةً. ولعل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في نوفمبر 2020 مثال جيد على ذلك.
يعتقد «دافيد سيلفان»، الأستاذ في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية، أنه - وبغض النظر عمّن كان سيفوز في تلك الانتخابات - ما كانت لتشهد نهاية النوع السائد من النفوذ الأميركي، كما أنها لن تشهد كذلك له عودة. ما سوف يحدث، وقد بدأ يحدث بالفعل، هو أن «الصبغة الأميركية» نُزعت عن كل نفوذ وقع أو سيقع بعد ذلك. ويفصل أكثر في هذا، «جوزيف ناي» صاحب مفهوم «القوة الناعمة» الذي جرى تداوله على نطاق واسع في الأدبيات السياسية المعاصرة. ويُعرب ناي في كتابه الأخير «وثبة نحو القيادة: الطبيعة المتغيّرة للقوة الأميركية»، عن قلقه الشديد من كيف أن سلطة الولايات المتحدة على البلدان الأخرى، تنبعُ من حقيقة أن النخب في تلك البلدان تريد نفس ما تريده نظيرتها الأميركية. ويرى أن المسألة ليست قيماً سياسية مشتركة، بل هي أيضاً انفتاح على الحجج والبراهين الأميركية، يسبقها انغماس في الثقافة الشعبية والأكاديمية الأميركية. ويضرب مثالاً بقوله: إن الشخصيات المؤثرة في هيمنة أميركا على أوروبا، بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن الرئيس «دوايت ايزنهاور» و«دين اتشيسون» وزير خارجيته، بل كانت المغني «ألفيس بريسلي» والممثل «جيمس دين».
هل معنى هذا أن القوة الناعمة لأميركا لم تعد تؤهلها لفعل ما تريد؟
برأي جوزيف ناي نعم، لا يمكنها ذلك. ففي مناسبات عديدة، أثناء الحرب الباردة وبعدها، كان يتم تعديل خطط الرؤساء الأميركيين بشكل جذريِّ من قبل شركائهم الأوروبيين، حتى في أوقات الجدل الشديد في حرب العراق عام 2003. إن «نزع الصبغة الأميركية» عن أفعال النفوذ في عهد الرئيس بايدن سوف يستمر، والرئيس ترامب بريء من حفر قبر القوة الناعمة للولايات المتحدة، إنه لم يكن هو، بل كان «مارك زوكربيرغ» الرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك.