تصريحات معالي يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات لدى واشنطن، في لقاء مع معهد هوفر الأميركي يوم 14 أبريل الجاري – والتي ورد فيها: «إن الطريق إلى المستقبل يتضمن فصل الدين عن الدولة، وهذا ما نفعله في الإمارات، وما نؤمن به» – أثارت الكثير من ردود الأفعال، والتي دُشّن على إثرها هاشتاق في تويتر: (#يوسف_العتيبة_يمثلني). كما وضح السفير أن هذا هو الطريق إلى المستقبل لاجتياز العقبات السياسية والاجتماعية.
أهم ما نستشفه من حديث معالي السفير أن هناك صدعاً أو نقطة خلاف في المنطقة أساسها أيديولوجي فكري والتي لها تبعاتها من صراعات سياسية، ولكي يحل ذلك لابد من مشروع فكري ونشأة مجتمع عصري مدني لكي تتم مواجهة المجتمعات والأنظمة المتطرفة. فلا يمكن مثلاً مواجهة أيديولوجيات طائفية متطرفة وأخرى تستغل الدين أبشع استغلال بالهجوم والاستنكار فقط، لابد من تقديم مشروع فكري بديل. والإمارات قدّمت العلمانية بمفهومها الخاص الذي يتناسب مع مجتمعها، وليس مجرد نسخ من العلمانية الغربية، وقد أبرز أهميتها معالي السفير من خلال تساؤله، «هل نريد مجتمعاً مدنياً متطلعاً للأمام أم دينياً تغلب عليه الأيديولوجيا؟».
فالنموذج المتسامح العصري الذي قدمته دولة الإمارات لمجتمعها طبقته ليس بالأقوال، بل بالأفعال وبطريقة تدريجية. فعام 2019 كان عاماً للتسامح، وكذلك عُيّن وزير للتسامح، كما زار البابا فرانسيس الإمارات عام 2019 وعقدت عدة مؤتمرات عن تعدد الأديان والتسامح، ومن ثم صدر قرار بناء «البيت الإبراهيمي» في أبوظبي، والذي سيضم كنيسة، ومسجداً، وكنيساً تحت سقف صرح واحد لترسيخ فكرة أن الديانات السماوية الرئيسية الثلاثة: المسيحية، واليهودية، والإسلام لابد أن تكون متعايشة بسلام. وبعد ذلك تمت الاتفاقيات «الإبراهيمية» لتثبيت ذلك المفهوم على المستوى السياسي، وهي رسالة تدعم التسامح الديني الذي دعمته الإمارات منذ سنوات.
وقد حذّر السفير الإماراتي من خطر الفكر المتطرف، الذي ظهر في تنظيم «القاعدة» وبعده تنظيم «داعش»، ولفت الانتباه إلى التطرف والتطرف المضاد، أي أن بعض التيارات والمذاهب تتطرف فتثير تطرف مذاهب أخرى، وهكذا. لذلك كان على الإمارات أن تقدم نموذجها المتسامح لكبح ذلك التطرف. والتطرف ليس خطراً مصدره مذهب معين أو دين محدد، بل هو خطر تتعرض له مجتمعات كثيرة لديها معتقدات متنوعة، والمهم التوعية بهذا الخطر، كي لا يُعطل تنمية المجتمعات ويعرقل التقارب بين الشعوب.
إن أفضل شيء في حديث معالي السفير أنه شرح أن أساس الصراعات السياسية في المنطقة أيديولوجي، ولكي نقضي على هذه الصراعات لابد من القضاء على الأيديولوجيات المتطرفة، من خلال بناء مجتمع متسامح يكون فيه الدين والأيديولوجيا منفصلين عن شؤون الحكم.
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي