قبل أسبوع خفّفت بريطانيا القيود على التجمعات في الأماكن المفتوحة فاجتيحت المتنزّهات العامة بحشود غير معقولة، ما أجبرها على إغلاق موقّت لعدد منها. وقبل أيام اضطرّت فرنسا ودول أوروبية أخرى لتجديد تشديد القيود بما يشمل المدارس، ومن دون تسهيلات خاصة بعطلة عيد الفصح. كانت دول الاتحاد الأوروبي تطمح لعودة منظّمة إلى حياة طبيعية، لكن عدم انتظام توزيع اللقاحات خيّب الآمال وعجّل بحلول الموجة الثالثة من تفشي فيروس «كوفيد-19». حتى بين الدول الكبرى، الغنيّة والمتقدّمة، ظهرت فوارق في إمكانات مواجهة الفيروس، لأن الحصول على اللقاحات ليس متاحاً بسهولة وقد يكون مسيّساً، فالدول المنتجة تمنح نفسها الأولوية، والسباق إلى التعافي الاقتصادي سياسيٌ بمقدار ما هو صحّي.
وقياساً إلى ذلك، يمكن تصوّر أوضاع الدول محدودة الموارد، ففي العديد منها أصبحت المجتمعات تتعامل مع الوباء بقدريّة وبشيء من الاستسلام للواقع. لم تعد أرقام الإصابات والوفيات تثير الهلع كما كان قبل عام مع بداية الوباء، بل تُقَابَل بالقنوط. طبعاً هناك احتجاجات على تقصير الحكومات في الحصول على لقاحات، لكن عشر دول تستحوذ على 75 في المئة من اللقاحات المتوفّرة. وفيما تقدّر «بلومبيرغ» الفترة الزمنية المطلوبة لبلوغ «مناعة القطيع» بين 10 سنوات للهند و10 شهور للولايات المتحدة، وبين سنتين وثلاث سنوات في أوروبا (باستثناء بريطانيا/ 6 شهور)، برزت الحاجة إلى «الجرعة الثالثة» قبل نهاية السنة في بلدان تلقّى الملايين من مواطنيها جرعتين.
مطلوب تلقيح 75 في المئة من سكان العالم (5.7 من أصل 7.7 مليار نسمة) وهو ما يستغرق بين 6 و7 سنوات لاحتواء الجائحة، لكن لا موعد ولو نظرياً لنهايتها، ولا يخفي العلماء خشيتهم من أن تهدّد تحوّرات الفيروس مفاعيل اللقاح. وفي الأثناء يصعب رصد كل الانعكاسات المقلقة، فالدول الكبرى تستشعر الآن أكثر من السابق حجم الخسائر والتراجعات، وتبقى موقنةً بأن مستقبل الاقتصاد العالمي رهن تعافيها أولاً. لكن التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي سلّط الضوء على ثلاثي: «تفاقم عدم المساواة والفقر»، «تآكل ثقة الناس بحكوماتهم»، و«اضطرابات اجتماعية»، وحذّر من تداعيات تكون طويلة الأمد. لذا يتوقّع خبراء الصندوق أن تتطلّب التنمية المستدامة وإتاحة الخدمات الأساسية، بحلول عام 2030، «ثلاثة تريليونات دولار لـ121 من الاقتصادات الصاعدة والدول النامية منخفضة الدخل». وهذا رقم يصعب أن تحققه الدول المعنية، ويتوقف سدّ العجز فيه على الدول الغنية التي تتوقف مساهماتها على مدى تعافيها.
خلال أسابيع يُفترض أن تتوفّر أربعة لقاحات إضافية إلى الستة الحالية، لكن التقارير عن الأعراض الجانبية متاحة فقط بالنسبة لواحد منها، هو «أسترازينيكا» الذي يستمر استخدامه. تدرك الجهات الطبّية أن المتوفّر هو الممكن بحسب القدرات الإنتاجية المرشّحة للتوسّع إقليمياً. المشكلة أن أي لقاح لا يمنح وقاية كاملة، فالمختبرات لا تزال تبحث عن منشأ الفيروس وتركيبته الجينية، ولم يأت محققو منظمة الصحّة العالمية من زيارتهم للصين باستنتاجات جديدة. لذلك يطرح العديد من قادة الدول مشروع «اتفاق دولي حول الجوائح» يسمح باستجابة سريعة أو استباقية للأزمات الصحية على أساس استخلاص العبر من الأزمة؛ وأبرزها «الشفافية» في تبادل المعلومات، و«التعاون وتقاسم المسؤوليات»، والعمل مع المجتمع المدني والقطاع الخاص. لكن هل «الشفافية» ممكنة؟