يواجه لبنان تهديداً بسحب «وساطة» الراعي الأميركي لحل الخلاف حول ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، في الوقت الذي هو بحاجة إلى «وساطة» لحل الخلاف بين المسؤولين اللبنانيين حول تعديل المرسوم 6433 الصادر عام 2011، لزيادة حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة 1430 كلم، لتصبح المساحة المتنازع عليها 2295 كلم، بهدف تكريس سيادته على ثروته النفطية، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي قطع شوطاً كبيراً في توقيع الاتفاقيات مع الدول المعنية في المنطقة، وستبدأ الشركات الفائزة بالتنقيب عملها في يونيو المقبل.
واستناداً إلى نجاح الوسيط الأميركي دايفيد شينكر، في الاتفاق على «آلية» للمفاوضات، التي جرت خلال أربع جولات في أكتوبر الماضي، برزت أهمية الوصول إلى «اتفاقية أمنية»، تهدف إلى حماية استثمارات النفط والغاز، بما يشجع الشركات العالمية على الاشتراك في جولة التراخيص الثالثة الإسرائيلية. وكذلك الاشتراك في جولة التراخيص الثانية اللبنانية التي أجلت مرات عدة، بسبب ضغوط دولية، وهي تشمل خمس بلوكات (1 و2 و5 و8 و10). وقد ركزت إسرائيل على اقتسام المساحة المتنازع عليها والبالغة 865 كلم مربع، بحصة لها بنسبة 40%، مقابل 60% للبنان، لكنها فوجئت بدراسة تقنية وقانونية مدعومة بالخرائط، أعدتها قيادة الجيش اللبناني، بزيادة المساحة لتصبح البلوكات الشمالية الإسرائيلية كلها موضع نزاع، ما دفعها إلى وضع لبنان أمام خيار من إثنين، إما الترسيم والاستغلال المشترك للمكامن، وإما قيامها بمباشرة الحفر ونهب الموارد الموجودة، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء أو إلى الحرب!
وبما أن لبنان سبق أن أودع الأمم المتحدة المرسوم 6433، وحرصاً منه على حقوقه في ثروته النفطية، عليه أن يصدر مرسوماً بتعديل المساحة الإجمالية المتنازع عليها وإيداعه لدى المنظمة الدولية، لكنه ووجه بمشكلة التوقيع على هذا المرسوم في ظل حكومة مستقيلة تنحصر مهامها ب«تصريف الأعمال»، واشترط رئيسها حسان دياب تأمين التوافق السياسي لإصداره أو انتظار تشكيل حكومة جديدة.
وفي الوقت الذي رفعت فيه واشنطن السقف عالياً، وأبلغت كل المعنيين بأن تعديل المرسوم يعني وقف المفاوضات بقرار من لبنان، وهددت بسحب وساطتها، أعلنت الأمم المتحدة بدورها ممثلة بقوات الطوارئ الدولية، عن خشيتها من عرقلة المفاوضات، وهي خطوة غير مبررة، بعد انطلاقها. لكن قيادة الجيش ترى ضرورة إصدار مرسوم التعديل قبل مايو المقبل لقطع الطريق على شركات النفط من العمل في البلوكات الإسرائيلية المتنازع عليها، الأمر الذي يدفع الإسرائيليين إلى المسارعة في طلب العودة إلى طاولة المفاوضات. وعندها يكون لبنان قد حقق إحدى أوراق القوة.
وبينما تتجه الأنظار جنوباً لحل مشكلة الترسيم مع إسرائيل، حصل تطور حول ضرورة ترسيم الحدود البحرية مع سوريا التي صادقت مؤخراً على تلزيم البلوك رقم (1) في مياهها الإقليمية لصالح شركة «كابيتال الروسية»، وهو يتداخل مع البلوكين اللبنانيين (1 و2) على مساحة 750 كلم مربع مع الإشارة إلى أن طريقة ترسيم الجانب السوري لبلوكاته تتضارب مع الطريقة التي رسم بها لبنان حدوده البحرية عام 2011، ما أنتج هذا التقاطع في البلوكات المشتركة.
وهكذا يدخل نفط لبنان عاصفة الصراع الدولي على النفوذ «الجيوسياسي»، وانتقل القرار «الاستراتيجي» من الشركات إلى حكومات الدول المتصارعة. وكما برز دور الوسيط الأميركي في حل الخلاف مع إسرائيل، تبرز في الوقت نفسه أهمية دور الوسيط الروسي مع سوريا.
*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية