حلّت الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية ثم ذهبت من دون اعتراف حقيقي من إدارة بايدن بهذه المناسبة؛ حيث لم يكن لدى الرئيس الأميركي ومسؤولي السياسة الخارجية، الذين لا يتوانون عن رفع أصواتهم، عن حق، في ما يخص اليمن، الكثير ليقولوه حول الكارثة الأكبر والأطول التي تقع على بعد 2400 كيلومتر إلى الشمال من اليمن.
وقد يميل المرء إلى نسب هذا الصمت النسبي إلى شعور بالخزي؛ كيف لا والعديد ممن يعملون حالياً ضمن فريق بايدن للسياسة الخارجية كانوا يعملون في إدارة أوباما، التي لم تفعل شيئاً غير الكلام، في وقت كانت تشهد فيه سوريا الفظاعة تلو الفظاعة في حق سكانها. وقد ذهب «أنتوني بلينكن»، الذي كان عضواً ضمن فريق أوباما للأمن القومي ويشغل حالياً منصب وزير الخارجية في عهد بايدن، إلى حد الاعتراف بأن إخفاقات السياسة المتبعة أدت إلى كوارث «ستلازمني لبقية أيامي».
ولكن يوم الاثنين، يبدو أن أكثر ما استطاع بلينكن فعله هو إصدار بيان عتاب واحتجاج شكلي لنظام الأسد. والأكثر من ذلك أنه كان بياناً مشتركاً، موقعاً من قبل نظرائه الألماني والبريطاني والفرنسي والإيطالي. وعلى ما يبدو، فإن رغبة فريق بايدن في استعادة الزعامة الأميركية في العالم لا تمتد إلى سوريا.
وكان بلينكن قد انتقد ترامب لأنه سحب «أي تأثير متبق (لأميركا) في سوريا»، من خلال تقليص الوجود العسكري الأميركي هناك. غير أنه وبايدن يبدوان متفائلين بشأن الإبقاء على الحد الأدنى الجنود الأميركيين على الميدان، إلى جانب عقوبات ترامب ضد شخصيات من النظام في إطار «قانون قيصر». وفضلاً عن ذلك، فإن أهم عمل عسكري رخّص له بايدن على التراب السوري كان هدفه بعث رسالة إلى إيران والمليشيات التابعة لها في العراق، وليس إلى الحكومة في دمشق. وقد لا يكون بايدن صريحاً مثل ترامب، الذي وصف سوريا بأنها بلاد «رمل وموت»، غير أن لا شيء يوحي بأن الرئيس الحالي يختلف عن سلفه بخصوص تقييم أهمية البلاد الاستراتيجية. وفي ما يبدو مرآة لأولويات سياسة الإدارة الجديدة الخارجية، فإن بايدن لم يعيّن مبعوثاً دائماً إلى سوريا، في حين عيّن «تيم لاندركينغ» للقيام بهذا الدور في اليمن، وبوب مالي في إيران.
والحال أن أهمية سوريا الجيوسياسية، وعلى غرار مأساتها الإنسانية، أكبر من أن يتم تجاهلها. والواقع أن سلبية أوباما وترامب سمحت لروسيا وتركيا وإيران بتوسيع نفوذها في البلاد التي تمزقها الحرب، وقد يجد بايدن أن أعماله في سوريا – أو عدمها – سيكون لها تأثير على تعاملاته مع موسكو وأنقرة وطهران.
وبشكل عام، فإن سوريا ستختبر صدق تعهد الرئيس بأن تكون سياسته الخارجية متأثرة بـ«القيم الديمقراطية التي تعزّها أميركا»، بما في ذلك الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.
وستكون هناك اختبارات مهمة قريباً. ففي الأيام القليلة المقبلة، سيتم إجراء انتخابات رئاسية ، نتائجها محسومة سلفاً. وفي يوليو المقبل، ستستخدم روسيا الفيتو في مجلس الأمن الدولي من جديد لعرقلة دخول مساعدات عبر الحدود إلى سوريا؛ ذلك أن موسكو تريد أن تمر أي مساعدات عبر دمشق، وهو ما من شأنه أن يسمح بتجويع أي معارضة للحكومة السورية.
كما أن هناك نقاط توتر عسكري قادمة، ذلك أن الحكومة السورية وبدعم من روسيا، تعدّ العدة لشن هجوم جديد على معقل المعارضة في إدلب، وستستأنف أعمال العام الماضي الحربية مع تركيا. كما أن هناك مؤشرات مقلقة على عودة تنظيم «داعش»، حيث يستغل التنظيم الإرهابي تقلص الوجود العسكري الأميركي، إضافة إلى تأثير فيروس كورونا على قوات الأمن السورية.
وللتعاطي مع هذه التحديات، سيتعين على إدارة بايدن أن تعمل بسرعة على إعادة بناء نفوذها. وهذا قد يتطلب تعزيز الوجود العسكري الأميركي، واستئناف الدعم للحلفاء الأكراد الذين ساعدوا على هزم «داعش» قبل أن يُتركوا من دون حماية إزاء الزحف التركي على شمال سوريا. ولكن بالمقابل، سيعني هذا الصدام مع تركيا التي يعتبرها بايدن في الوقت ذاته حليفاً في الناتو.
كما سيتعين على الإدارة أن تسعى لحشد الدعم الدولي للتصدي لمناورات سياسية، على سبيل المثال: إذا مضت الأمور نحو الانتخابات الرئاسية بدعم من روسيا وإيران، فيجب على الولايات المتحدة أن تمارس ضغطاً أكبر من أجل الامتثال لقرار لمجلس الأمن الدولي في 2015، ينص على انتخابات رئاسية وتشريعية تحت إشراف الأمم المتحدة.
وخلاصة القول إن تطبيقاً صارماً للعقوبات وتعيين مبعوث إلى سوريا، من شأنهما بعث إشارتين مهمتين على عزم بايدن على تصحيح إخفاقات سلفيه (أوباما وترامب). بل إنهما قد تمنحان وزيره في الخارجية شيئاً مفيداً ليلازمه لبقية أيامه.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»