سرّعت الهند برنامج تلقيحها في ما يوصف بأنه واحد من أكبر برامج التلقيح في العالم. فقبل أسبوعين، شرعت البلاد في تلقيح ما يقدّر ب270 مليون شخص بعد أن انتهت من تطعيم أكثر من 12 مليون من العاملين في الخط الأمامي والرعاية الصحية.
ويُعتبر تسريع حملة التلقيح بالغ الأهمية بالنسبة للهند من أجل منع ظهور الفيروس من جديد في مناطق مختلفة. ومع أن البلاد شهدت انخفاضاً في حالات الإصابة بفيروس كورونا خلال الخمسة أشهر الماضية، إلا أنه سُجل مؤخراً ظهور جديد للفيروس في بعض المناطق، وهو ما أدى إلى مخاوف من إمكانية أن تشهد البلاد موجة أخرى. ولكن الزيادة في عدد الإصابات لم تؤثّر، لحسن الحظ، على الصورة العامة في البلاد حتى الآن.
وعرفت البلاد عودة لظهور فيروس كوفيد 19 في مهاراشترا وبعض الولايات الأخرى، وهو ما تسبب في قلق ببقية البلاد، حيث كانت الحياة قد بدأت في العودة إلى وضعها الطبيعي. وكانت ولاية مهاراشترا قد سجلت ما يصل إلى 7 آلاف حالة في اليوم خلال الأسبوع الأخير في ما شكّل مصدراً للقلق بالنسبة للسلطات الصحية. وأدت الزيادة إلى حظر جديد على كل البرامج الدينية والاجتماعية والثقافية الأسبوع الماضي. وتشكّل مهاراشترا إلى جانب كيرالا 75 في المئة من الحالات الإيجابية في الهند. وبالمثل، شهدت ثلاث ولايات أخرى، هي مادهيا براديش وتشاتيس غره وبانجاب، بداية ارتفاع في الإصابات. ويعتقد علماء الأوبئة أن الفيروس ينتشر الآن عبر مناطق وقطاعات من السكان كانت أقل إصابة بالفيروس في السابق، ولكن معظمهم يستبعدون وضعاً يستطيع فيه الفيروس العودة إلى أعلى مستوياته، والذي شهدته الهند عندما ارتفع عدد الإصابات إلى 97 ألف حالة في اليوم.
غير أنه من الواضح أن الناس الذين يعانون من التعب والإنهاك من كوفيد بدأوا يستأنفون أنشطة اجتماعية بشكل أكبر. فقد كانت الحياة قد أخذت تعود إلى طبيعتها منذ الإغلاق التام في مارس الماضي، حين أُغلقت الأنشطة الاقتصادية وحركة التنقل عبر البلاد. كما أخذت المدارس تعيد فتح أبوابها بشكل تدريجي. ويتجلى هذا الشعور بالإنهاك النفسي من كوفيد في كون ارتداء الكمامات غير معمم وفي كون التباعد الاجتماعي ما زال يشكّل تحديا في المراكز الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية.
وكانت الهند، التي تُعد ثاني أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان ب1.3 مليار نسمة، من بين البلدان الأكثر تضرراً من الفيروس الذي انتشر عبر مناطق مختلفة من البلاد مترامية الأطراف وفق فترات زمنية متفاوتة. ولهذا، فإذا كانت معظم المناطق شهدت موجة واحدة للفيروس، فإن مناطق أخرى شهدت موجتين أو ثلاث موجات. ورغم أن الهند سجلت أكثر من 11 مليون إصابة مع أكثر من 156 ألف و302 حالة وفاة، إلا أن البلاد سجلت معدل موت أقل بكثير مقارنة مع بلدان أخرى. ولا توجد أي أجوبة نهائية بخصوص أسباب انخفاض معدل الوفيات في الهند. فقد قُدمت عدة أسباب، من المناعة الجماعية إلى الإغلاق الصارم لشهرين بعد رصد الفيروس لأول مرة في البلاد. هذا بينما يرجح آخرون أن تكون المناعة الأعلى في جنوب آسيا وارتفاع نسبة الشباب بين السكان هي السبب.
الحكومة استبعدت في الوقت الراهن إمكانية أن تكون أشكال جديدة من الفيروس وراء الارتفاع، غير أن هذا الأخير عزّز الاقتناع بضرورة تسريع الهند لبرنامج التلقيح الذي عرف بداية بطيئة جداً في البلاد. فبالنظر إلى معدل عمليات التلقيح السابق، كان تلقيح كل السكان سيستغرق أكثر من ثلاث سنوات. ولهذا السبب، قررت الحكومة إشراك القطاع الخاص في برنامج التطعيم، الذي نُفذ عبر البنية الصحية العمومية بشكل رئيسي حتى الآن، والتي من المعروف أنها تعاني من الضغط الشديد.
القطاع لخاص الهندي هبّ للمساعدة على تسريع حملة التلقيح في وقت يسارع فيه البلد إلى تلقيح 300 مليون شخص بحلول أغسطس. وخلافاً لعدد من البلدان الأخرى، التي لا تمتلك كميات كافية من اللقاحات أو أي كميات منها، فإن مشكلة الهند ليست مشكلة وصول إلى اللقاح وإنما مشكلة بطء عملية البدء في استخدام اللقاح. وعلى خلفية بواعث القلق هذه، وافقت الحكومة الفيدرالية الآن على مشاركة واسعة للقطاع الخاص من أجل توسيع حملة التطعيم في الوقت الذي يدخل فيه البلد المرحلة الثانية والأصعب من إعطاء اللقاح لمن هم فوق سن الستين، ومن هم بين سن الخامسة والأربعين وسن التاسعة والخمسين اعتباراً من هذا الشهر. وهذا يوسّع حملة التلقيح حتى تشمل فئات أخرى عدا فئتي عمال الخط الأمامي والرعاية الصحية. فاعتباراً من 1 مارس، فإن كل أولئك الذين هم مؤهّلون للمرحلة الثانية واختاروا الدفع يستطيعون الحصول على تلقيحهم في مستشفيات خاصة، بينما يحصل عليها آخرون بالمجان في المستشفيات الحكومية.
وقد اعتمدت الهند لقاحين من أجل الاستخدام العاجل هما: «كوفيشيلد»، الذي طوّرته «أسترازينيكا» وجامعة أوكسفورد، ولقاح محلي يدعى «كوفاكسين»، الذي طوّرته شركة محلية تدعى «بهارات بايوتيك» بتعاون مع «المعهد الوطني لعلم الفيروسات». والواقع أن فكرة إشراك القطاع الخاص خطوة مرحب بها، ولا شك في أن برنامج التلقيح الهندي سيزداد سرعة. وفي نهاية المطاف، فإن ما يحدث في الهند، التي تُعد مركز إنتاج اللقاحات في العالم، يؤثّر أيضا على بلدان أخرى. ومع ازدياد قدرات الإنتاج، ستصبح الهند مزوداً رئيسياً للعالم باللقاح، وهو ما سيضمن إمدادات للبلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل.
* مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي