إن معجزة الإسراء والمعراج حادثٌ كونيٌ فارقٌ، لا يزال يُلهم على تكرار ذكراه، حادثٌ عجيب مهيب يمر علينا بعد عام قد ضربت الجائحة بأطنابها فيه، ليذكرنا بقيم العمل والأمل والثقة بالله تعالى والابتهال إليه سبحانه. فمهما كانت الأزمة واشتدت، فإن الله تعالى هو الفارج لهمِها والكاشف لغمتِها. ويكفي لو تأملنا في ظرف هذه الرحلة المباركة، فقد جاءت على أعقاب عام من الحزن عاشه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وظرف محيط بالكروب، وفقدان لأعز الناس عليه، لتجدد هذه الرحلة فينا الآمال، فهي نسمة من نسمات الأنس، وسلوانة من سلوانات نفحات ربنا، وفرصة لاستعادة السكينة والطمأنينة.
ذكرى الإسراء والمعراج هي رحلة تواصل وصلة، نستوحي من أفيائها أن أديان الله تعالى التي نزل بها الأنبياء، ينبغي أن تسير وتقتفي بقيم عائلة الأنبياء عليهم السلام، وأن تهتدي بتلك الأخلاق، وهذا ظاهر لمن تأمل في سورة الإسراء أولى المسبحات السبع في القرآن العظيم. فهذه السورة لو تأملنا في مناسبتها لوجدنا أن سورة «النحل» تسبقها، وتعقبها سورة «الكهف» في ترتيب توقيفي عند غالب العلماء، والمناسبة بين السور والآيات علم شريف، ومناطه مُنيف، فقد ورد قول ربنا في سورة «النحل»؛ (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً). واختُتمت السورة بالثناء عليه، وبقوله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم؛ (ثمَّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً)، ثم جاءت سورة «الإسراء» لتخلد شرف اللقاء بين الأنبياء. فقد ذكرت السورة أن هذه الرحلة انتقال من حرم إلى حرم، ليحصل ذلك اللقاء الذي صحت فيه الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمّ الأنبياء عليهم السلام في المسجد الأقصى، وقابلهم أثناء عروجه إلى السموات العُلى، وكان الأنبياء يرحبون به صلى الله عليه وسلم، فهو تلك اللّبنة التي أكملت بناء النبوة، وأتمت البلاغ من الله ورسالاته.
لقد التقى صلى الله عليه وسلم بأنبياء الله ورسله وسلَّم عليهم، فرأى آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى عليهم السلام، ثم لما وصل السماء السابعة وقد افتتحها جبريل، فقيل من معك؟ فقال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه، قال: نعم، فقيل: مرحباً به فنعم المجيئ جاء. فلما دخل فإذا بالصديق النبي والحليم الأوّاه المنيب؛ إبراهيم عليه السلام، قال: هذا أبوك فسلِّم عليه، قال صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت لي سدرة المنتهى، (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، وكان من ربه عز وجل (قاب قوسين أو أدنى).
ولعظمة تلك الآيات وجلالها؛ ناسب سورة «الإسراء» أن تستفتح بالتسبيح الذي هو علم على التنزيه والتعظيم، وناسب السورة التي تليها -سورة الكهف- أن تستهل بالحمد، ليكون المؤمن مقابلاً نعمة ربه بعد شهودها بالشكر، وكلما تأمل في آيات ربه الكبرى قال معظماً: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك)، وكلما توالت النعم عليه، وترادفت آثارها حمد ربه تعالى وأثنى عليه متواضعاً، ومستشعراً لذة العبودية لربه تعالى، وهكذا نلحظ مقام العبودية في تلك الآيات فقد جاء متصرفاً في أوائل هذه السور الثلاث: ففي «النحل» قال تعالى:(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلّا إنا فاتقون). وفي سورة «الإسراء»، قال عز وجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً). وفي سورة «الكهف» قال سبحانه: (الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجاً).
وأخيراً، إننا إذ نستشعر تلك المعاني، ونحن نحتفي بهذه الذكرى لنستشعر بمزيد من الإجلال والفخر؛ جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، والقيادة الرشيدة في الدولة التي نرفع لها التهنئة ونحن في نعم لا تحصى، وعطاءات مبهرة قدمتها الدولة للإنسانية جمعاء، تُذكي الأمل، وتوالي الإنجاز، وتُعلي من رابطة التساند بين البشر، وتحثُ الخطى على مواصلة إرث والدنا المؤسس الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، فنسأل الله تعالى أن يرحم والدنا الشيخ زايد، وأن يوفق سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، وأن يحفظه في نائبه وولي عهده الأمين وإخوانه حكام الإمارات، وأن يديم الرخاء والاستقرار على دولة الإمارات والإنسانية جمعاء.
* كاتب إماراتي