لطالما حظي القانون باهتمام بالغ في مسيرة الحياة البشرية؛ حيث أدرك الإنسان بفطرته -منذ القدم- ضرورة القوانين؛ وقَبلِ في الغالب، عن طوع وإرادة حرة، أن يُخضع نفسه لها؛ لأن غيابها بكل بساطة يعني الفوضى، بل وحتى سيادة شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف. واهتمام الإنسان بالقانون ليس ترفاً؛ بل لأنه ضرورة لاستمرار الحياة البشرية؛ فهو: أولاً، يضمن حقوق الأفراد ويمنع اغتصابها؛ ويحمي الحريات ويمنع التعدي عليها. ثانيًا، يوفر أطراً لحل النزاعات بين الناس عند تنازع الحقوق. ثالثاً، يساعد المجتمع على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار. ولكن وجود القانون وحده لا يكفي لتحقيق هذه الأهداف الأساسية؛ بل لا بد من توافر أمرين أساسيين:
أولهما، أن يطبق القانون على الجميع من دون استثناء؛ وهذا يشمل الحاكم والمحكوم؛ الكبير والصغير، المرأة والرجل؛ الأبيض والأسود... إلخ: أي أن يكون القانون فوق الجميع. ثانيهما، أن تكون الجهة أو المؤسسة القائمة على تنفيذ القانون، وهي القضاء مستقلة؛ أي أنه سلطة قائمة بذاته لا يخضع للتأثير أو النفوذ أو الاستغلال من قبل جهات يمكنها ممارسة التأثير في القضاء؛ سواء بالقوة أو الرشوة أو غيرهما من الوسائل غير المشروعة؛ ما يخلُّ قطعاً بمبدأ الاستقلالية.
ولا يمكن أن تتحقق الغاية من القانون وهي العدالة من دون وجود هذين العنصرين. والعدالة أمرها عظيم؛ لأن دورها حاسم في تحقيق الاستقرار في المجتمع وتضمن الرضا الذي لا يمكن أن تتحقق السعادة لدى الأفراد من دونه. فغياب العدل يعني بداهةً أن يسود الظلم ويعمّ الفساد وينتشر الجهل وتتخلف البلدان، بل وتتدمر. والشواهد على ذلك في التاريخ كثيرة، منها ما هو غير بعيد عنا؛ حيث لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل أن من أهم أسباب، بل وربما السبب الأول لاندلاع ما سمي ثورات الربيع العربي، هو الظلم وغياب العدالة بأشكالها المختلفة؛ فضلاً عن القمع والفقر والتهميش.
ولطالما كان العدل عنصراً من عناصر نهوض المجتمعات والدول، وعكسه الظلم، الذي كان سبباً في سقوط الكثير من الأمم والحضارات، بل وحتى اندثارها أحياناً؛ ولهذا لا عجب أن تولي الأديان اهتماماً خاصاً بقيمة العدل العظيمة؛ بل كان محور دعوات الأنبياء والرسل وكذلك الصالحين والمصلحين على مدى التاريخ هو العدل. لكن العدل لا يمكن بالطبع تحقيقه من دون وجود قانون، وأن يكون هذا القانون فوق الجميع. ولهذا جاء تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، خلال أداء عدد من القضاة الجدد المعينين في محاكم دبي، اليمين القانونية أمام سموه، الأربعاء الماضي، استقلالية القضاء في الدولة وسيادة القانون فوق الجميع من دون تمييز أو محاباة؛ ودعاهم إلى أن يكونوا مثالاً للنزاهة والحياد في جميع القضايا التي ينظرونها، وأن يراعوا مخافة الله، ويحفظوا لكل صاحب حق حقه، وأن يحترموا حقوق الإنسان وكرامته. هذا يظهر الحرص على ضمان حقوق الناس وتحقيق العدالة لكل أبناء المجتمع؛ ويعني في الوقت نفسه أن تقوم الجهات والمؤسسات المختصة والمعنية بتطبيق القانون، بعملها على أكمل وجه، ومن دون أي خلل؛ لأن العدالة يجب أن تكون الغاية التي لا تقبل المساومة أبداً.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية