ملامح المستقبل البشري وقياداته المؤثرة وقواه العلمية الحية المتحركة تُرسم الآن وتتبلور، وفي السنوات القادمة التي لا تتعدى العشر، ستظهر الملامح جليّةً واضحة، والقيادة البشرية ستبرز بكل أبعادها الاقتصادية والعسكرية والسياسية وتأثيرها الدولي. وغير خافٍ على أحد اليوم أن الصراع بين الشرق والغرب بلغ مرحلة متقدمة، تتنافس فيها أميركا والصين، والمتابع يرى أن الصين احتلت الصدارة في بعض المواقع والقضايا، وأن هناك دولاً كأنها غير موجودة، وهذا يمهد لتغيرات دولية كبيرة.
في هذه العقود الخمسة الماضية كانت الدولة الناشئة يقودها الحكيم الموهوب، وقد جعل نصب عينيه وإلى آفاق بعيدة، أن يكون هذا الوطن - دولة الإمارات العربية المتحدة- مثالاً في بنائه الداخلي: فلا فقر ولا تسوّل ولا أزمات سكن أو منغصات للعيش الكريم، ولا خوف ولا اضطراب في المجتمع؛ لأنه ينعم بقيم الاستقرار ويملك أدوات الحياة بأرقى أساليبها ومنتجاتها، وخارجياً: يبني العلاقات الوطيدة مع كل وطن أو دولة تمدّ يدها للسلام والأمان والتعاون، وأن العلاقات الدولية هي مفتاح رؤية العالم والتعامل معه، وحقق الله للقائد الوالد، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كثيراً مما أراد، وأصبح هذا الوطن مهوى القلوب وحديث الألسنة ونموذج التعايش والازدهار. وتابعت القيادة الحكيمة نهجه وفي طليعتها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله بخبرته العميقة ورؤيته العالمية الشمولية، وجعل لمستقبل هذا الوطن ركائز ثابتة أهمها أربع ركائز:
الأولى: فكر واسع ومبتكر وهذا هو ميدان التعليم والإدارة وبناء المجتمع، فقد كان في فكر الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، ألا يكون في هذا الوطن شابّ أو شابّة إلا ويحمل شهادة البكالوريوس على الأقل كلٌ في تخصصه، وأن تكون الإدارة بأرقى المعايير العالمية وأفضلها في الأساليب والتواصل وقد تحقق ذلك أو كاد، أن يعيش الناس في واحة الأمن والرغد وقد حصل أكثر من ذلك.
وثانيها: اقتصاد قوي متطور لا يتأثر بتقلبات السوق العالمية، بل يؤثر فيها. وإذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في نشأتها اعتمدت على النفط، فإن الشيخ محمد بن زايد منذ مدة طويلة أدرك أن هذه السلعة الاستراتيجية يمكن أن تتعرض إلى هزات وتغيير وتبديل، فأكد على تنويع اقتصاد الوطن بسلعٍ حديثة وابتكارات جديدة، فسبقت دولة الإمارات بهذا الفكر الاستشرافي للمستقبل وحققت الاستقرار الاقتصادي، بل والازدهار المالي في وقت عانت فيه كبرى الدول وصغراها ما عانت منذ أزمة عام 2008م وما بعدها، وخاصة في السنتين الأخيرتين حتى جاءت جائحة كورونا فكشفت كثيراً من الحقائق المستورة، وبقيت طائرات دولة الإمارات تحلق في أجواء العالم غرباً وشرقاً تحمل الخير والمساعدات الإنسانية لكل الدول؛ مما أثبت القوة الاقتصادية والرؤية المستقبلية لقيادة الشيخ محمد بن زايد حفظه الله.
لقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، مرات عديدة، أن السلع الاستراتيجية -كالغذاء والدواء- لا خوف عليها ولا تأثير يعود على الوطن سلباً لفقدها؛ لأن كل الخطط الاستراتيجية لضمانها ووفرتها مُطبقةٌ وقائمة.
الاقتصاد العالمي الذي يعرف ضموراً ونقصاً في بعض الجوانب وازدهاراً في جوانب أخرى، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة أصبح لها الريادة العالمية في سلع المستقبل وحاجاته، وأصبح حضورها في ذلك حديث رجال الاقتصاد والسياسة والتخطيط، وهذا أهم جانب يشغل دول العالم اليوم وخاصة في الاقتصاد القائم على طفرة التكنولوجيا بأنواعها الأرضية والفضائية والبحرية، الاقتصاد العالمي أصبح متداخلاً بشكل كبير، وهذا ما أدركه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد منذ عقود، وأدار دفته بحنكة واقتدار.
وثالثها: علاقات دولية قوية وراسخة: وإذا كانت هذه العلاقات بدأت في عهد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، سار على الخطى، فرسَّخ هذه العلاقات، وزاد في أبعادها تبعاً لظروف الزمان وتغير فكر الإنسان، فأصبحت علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة تشمل كل جهات العالم بحضورها القوي المؤثر، وتسعى إلى خطب ودّها الدول الكبيرة والصغيرة القريبة والبعيدة؛ لما تتميز به هذه العلاقات من أهداف واضحة ورؤية سديدة، وغايات نبيلة ونزعة إنسانية عميقة، وأصبح لدولة الإمارات العربية المتحدة تأثير في السياسات القاريّة والأممية والعالمية.
وتبرز قيمة الدول والأمم والأوطان والشعوب من نظرة الدول الأخرى إليها، ووضعها في المكان الذي تراها فيه وكلما مرّت الأيام والشهور، ازداد لدولة الإمارات العربية المتحدة التقدير والاحترام؛ وبذلك استطاعت أن تحقق في ميدان العلاقات الدولية والإنسانية ما عجزت عنه القوى العظمى لمدة طويلة من الزمان.
ورابعها: قوة عسكرية تحفظ أمن الوطن وحدوده وتفرض هيبته وعزته، وكلما كانت هذه القوة متميزة، كانت مكانة الوطن أعلى وقيمته أغلى، وإن القوة العسكرية الإماراتية اليوم بقيادتها الحكيمة وهي تخوض معارك السلم وقت السلم والحرب وقت الحرب قد أثبتت جدارتها وكفاءتها؛ لأنها بُنيت على محبة الوطن والإخلاص له والتفاني في رفعته وسؤدده، وآمنت بالمبادئ التي قام عليها هذا الوطن وترسخ فيها الولاء لقيادتها، وأخذت بأحدث الأساليب والأدوات العسكرية، فهي ليست قوة عددية تقليدية، وأصبح جميع الناس يعرفون أن جيش الإمارات يمتلك في مجموعه وأفراده المهارات العسكرية طبقاً لأرقى المعايير العالمية، ويمتلك كذلك المهارات التكنولوجية التي لا يمتلكها كثير من الدول المتقدمة، وإن جميع الوسائل العسكرية قد برع فيها الجندي الإماراتي في البر والبحر والجو، ويدعم هذه القوة صناعات عسكرية متطورة، بل ومتميزة على المستوى العالمي، وإن غزو الفضاء وصناعة الفضاء الذي قطعت دولة الإمارات فيه أشواطاً بعيدة، والطاقات السلمية البديلة نووية وغيرها، وقد تفوقت فيها دولة الإمارات كلها لتعزز أمن الوطن وقوته العسكرية، وترفع مكانته العالمية.
وإذا كانت حدود أمن الدول قد اتسعت وتغيرت مفاهيمها وتعددت أشكالها، فإن قوة الإمارات العربية لها النصيب الأوفر في إدراك هذه المتغيرات، والسير تبعاً لمقتضياتها، وذلك تحقيقاً لأمن الوطن وعزته برؤية قائد محنك.
هذه الثوابت الأربع وغيرها هي التي تنهض بها اليوم دولة الإمارات دون جميع البلاد العربية لتكون القاطرة القوية للنهوض العربي القادم بإذن الله.
إن سيطرة اليأس على كثير من الشباب العربي والهزائم النفسية التي تعرضوا لها في العقود الخمسة الماضية، جعلتهم يتأثرون بالدعوة إلى محاولات إحياء إمبراطوريات قديمة، وأصبح الضرب على وتر العواطف يؤثر عليهم فينساقون وراء أوهام لا حقائق تحتها، ينقضها الواقع ويكشف زيفها التاريخ.
إن قيادة النهوض العربي انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة ومن عاصمتها أبوظبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حفظه الله وإخوانه، وهذا النهوض الذي يطرق أبواب العالمية في كل ميادينها وينافس أقوى الدول، ويترك أثره الباهر في كل الميادين، ويزيد على الدول الأخرى أنه يحمل عالياً القيم الإنسانية التي أكدتها الأمم المتحدة وأيدت دولة الإمارات العربية المتحدة فيها، وهذه لها حديث آخر.
لقد آن للشباب العربي أن ينتبه من غفلته ويعرف أن الماضي لا يكون مستقبلاً، وشمس الحضارات الإنسانية قد تنقلت بين الشعوب والقارات والدول والمدن، والبدايات إذا كانت قوية كانت النتائج صحيحة وباهرة، نريد أن يعرف الشباب العربي أن الوهم الذي يسوَّق لهم ضياع، وأن الطريق من هنا.
المستشار الدكتور/ فاروق محمود حمادة*
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.