يشهد العالم اليوم ثورة رقمية غير مسبوقة، وباتت أعداد مستخدمي شبكة الإنترنت أكبر من أي وقت مضى، كما أدى التطور الذي أفرزته التكنولوجيا إلى ظهور أشكال متعددة من الأجهزة والخدمات الرقمية فرضت على الأفراد والمجتمعات، لاسيما المتقدمة منها، ضرورةَ التوجه إليها واستعمالها في كل جوانب الحياة. هذه الثورة الرقمية الهائلة التي ألقت بظلالها على كل صور الحياة اليومية، توجب على الحكومات ضرورة توعية مجتمعاتها بالمخاطر التي يتضمنها هذا العالم الواسع النطاق لخلق بيئة رقمية آمنة، ما يعزز وجودهم فيها على نحو إيجابي وسليم.
وقد بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ مسار توعوي، تسعى من خلاله لتعزيز ثقة أفراد المجتمع للمشاركة بشكل آمن في العالم الرقمي، وفي هذا السياق، جاء اعتماد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، «السياسةَ الوطنية لجودة الحياة الرقمية»، بهدف خلق مجتمع رقمي آمن، وتعزيز هوية إيجابية ذات تفاعل رقمي هادف. وقال سموه: «اعتمدنا السياسة الوطنية لجودة الحياة الرقمية.. الهدف هو ضمان بيئة رقمية صحية وإيجابية لأجيالنا الذين أصبحوا يقضون أوقاتاً في الواقع الافتراضي أكثر من وقتهم في الحياة الواقعية.. الهدف جعل واقعهم إيجابيًّا وإنتاجيًّا وآمناً». واستناداً إلى هذه السياسة، سيتم تعزيز جودة الحياة الرقمية في دولة الإمارات من خلال أربعة محاور رئيسية هي: القدرات الرقمية، وتعني بناء قدرات أفراد المجتمع وتمكينهم من استخدام الإنترنت بشكل واعٍ وسليم، والسلوك الرقمي، وينصرف إلى تعزيز القيم والسلوكيات الرقمية الإيجابية، والمحتوى الرقمي الذي يُعنى بإعداد أدلة لتوجيه المجتمع نحو استخدام المحتوى الإيجابي، إضافة إلى الاتصال الرقمي الذي يهدف إلى حماية المستخدمين من المخاطر الناجمة عن التعامل مع الجهات المريبة أو القرصنة، وكل ذلك من أجل الوصول إلى تحقيق هدف التعايش مع المجتمعات الافتراضية بقيم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه.
وفي الواقع، فإن السياسة الوطنية لجودة الحياة الرقمية التي اعتُمدت، ليست المبادرة الوحيدة التي اتُّخذت من قبل قيادتنا الرشيدة، حيث أُطلقت أربع مبادرات مهمة، هي: مبادرة المنصة المعرفية لجودة الحياة الرقمية التي تعد بمنزلة بوابة إلكترونية تفاعلية ومتكاملة تشتمل في مرحلتها الأولى على محتوى توعوي لبناء القدرات الرقمية لأفراد المجتمع، خصوصاً الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين، إضافةً إلى أصحاب الهمم وكبار المواطنين، ومبادرة ميثاق قيم وسلوكيات المواطنة الرقمية الإيجابية التي تُؤطّر مجموعة القيم والسلوكيات للمواطنة الرقمية الإيجابية في الدولة ضمن 10 بنود تتمحور حول: الإرث الإماراتي، والسمعة الرقمية، واحترام الآخرين، والاستثمار الإيجابي، وحسن التعامل، والخصوصية الرقمية، ومصداقية النشر، والمسؤولية والنظم، والأخلاقيات الرقمية، إلى جانب الاستخدام المتوازن، إضافة إلى مبادرة منهج جودة الحياة الرقمية، التي قدّمتها وزارة التربية والتعليم، بهدف إدراج موضوعات المواطنة الرقمية في المناهج الدراسية. وهناك أيضاً مبادرة منصة «صنّف» التي قدمتها هيئة تنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية، والتي تمنح أولياء الأمور فرصة التعرف إلى الألعاب الإلكترونية ومحتواها وطبيعتها، قبل عرضها على الأطفال، حيث توفر المنصة إمكانية البحث عن أي لعبة إلكترونية، وفي حال وجودها في قاعدة البيانات ستظهر المخاطر التي قد تحتوي عليها، ما يساعد ولي الأمر على اختيار الألعاب الأنسب لأبنائه.
إن النجاح في عصر التحول الرقمي ضرورة لا بد منها، فالمهارات الرقمية تدعم كل جوانب الحياة. وليست هناك وظيفة لا تتطلب مستوى أساسيّاً من الأداء الرقمي. وهذه المبادرات القيّمة التي تقوم بها الدولة تسهم في تحسين جودة حياة المواطنين في العالم الرقمي من خلال نشر القيم والسلوكيات الهادفة، والتواصل الإيجابي مع الآخرين، ورفع الوعي الرقمي لدى جميع الفئات. ما سيعكس بدوره هوية إماراتية رقمية متفردة.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية