عندما أصبح جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير، كانت هناك عدة تحديات على أجندته، أكثرها إلحاحاً واستعجالاً وباء كورونا الذي أدى إلى موت أكثر من 400 ألف شخص في أميركا حتى الآن، ومعدل البطالة المرتفع جداً. وكان بايدن قد انتقد خلال حملته الانتخابية العديدَ من سياسات الرئيس ترامب التي وعد بتغييرها، ولكن كان عليه أولاً أن يمنح المواضيع الأكثر إلحاحاً الأولوية: إبطاء الفيروس، ودعم اللقاح، والتعاطي مع الأزمة الاقتصادية.
وبالتالي، فإن النزاع العربي-الإسرائيلي واحد من المواضيع التي ربما لن يكون بايدن قادراً على التعاطي معها بشكل فوري بسبب الطابع الأكثر استعجالاً لفيروس كورونا والاقتصاد الأميركي. ولكنه لا يستطيع نسيانه. فعلى مدى سنواته الكثيرة كسيناتور وسنواته الثماني كنائب للرئيس، انخرط بايدن بشكل كبير ومباشر في صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وإذا كان الرئيس ترامب قد قام خلال أعوامه الأربعة في السلطة بتغييرات كبيرة في السياسة الرسمية الأميركية إزاء المنطقة، فإن الرئيس بايدن يجب عليه الآن أن يقرر أياً من تغييرات ترامب سيبقي وأيا منها سيزيل.
بايدن لم يدلِ مؤخراً بأي تعاليق أو تفاصيل حول السياسة الأميركية تجاه النزاع العربي- الإسرائيلي؛ غير أنه من الممكن تخمين ما قد يفعله بالنظر إلى سنوات انخراطه الطويلة في الموضوع واحتمال أن يلجأ إلى بعض السياسات السابقة.
أولاً، لقد سبق لبايدن أن عبّر أكثر من مرة عن دعمه لإسرائيل والسياسة الأميركية المتمثلة في توفير الدعم الكافي لها لمساعدتها على الدفاع عن نفسها ضد أي أعداء. كما أيّد المستويات الكبيرة من المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل على مدى السنوات، ومن المرجح أن يواصل فعل ذلك. وقد كان نائباً للرئيس عندما تعهد باراك أوباما بـ38 مليار دولار لإسرائيل على مدى عشر سنوات، ومن المتوقع أن يحافظ على ذاك الوعد. وفي الوقت نفسه، عبّر بايدن عن تعاطفه مع الفلسطينيين وسعيهم إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967، الذي يدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتُلت خلال الحرب. كما يؤيد فكرة أن النزاع ينبغي أن يحل عبر مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، والتعاطي مع مواضيع الحدود والقدس والأمن ومطالب اللاجئين الفلسطينيين. وقد سبق له أن انتقد إسرائيل لاتخاذها خطوات أحادية الجانب لإنشاء مستوطنات في الضفة الغربية، ومن المرجح أن يفعل ذلك أيضاً وهو رئيس. وقد كان من المثير للاهتمام أنه خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 2020، أعلن السيناتور بيرني ساندرز، وهو يهودي الديانة، أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تحبس المساعدات عن إسرائيل طالما استمرت في إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية. ولكن بايدن لم يشاطره الرأي، مفضلاً عوضاً عن ذلك استخدام أسلوب الإقناع في محاولة لوقف الاستيطان.
وقد سعت إدارة أوباما-بايدن إلى رعاية تسوية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني ولكنها فشلت. ويحاجج بعض المعلّقين بأن حل دولتين متفاوضاً بشأنه بات الآن مستحيلاً، في حين يعتقد خبراء أميركيون آخرون أن صيغة الدولتين هي الحل الوحيد الممكن. رأي يُعتقد أن بايدن يتفق معه. ذلك أن بايدن يدرك جيداً على كل حال أن جيمي كارتر رعى حل النزاع الإسرائيلي-المصري، وأن بيل كلينتون ساعد الأردن وإسرائيل على التوصل لاتفاق، إضافة إلى تسهيل اتفاق أوسلو الذي بدأ خطوات نحو سلام إسرائيلي-فلسطيني. ويؤمن جو بايدن بالدبلوماسية وليس الحلول أحادية الجانب؛ وبالتالي، فإنه من المحتمل أن يواصل هذا الأسلوب.
وبالمقابل، كان الرئيس ترامب يعتمد سياسات أحادية الجانب. فخلال حملة 2016 الانتخابية، وعد بـ«اتفاق القرن»؛ وفي يناير 2020، أنجز ذاك الوعد عندما أعلن عن خطته لـ«السلام مقابل الرخاء»، فقد تباحث و«كوشنر» مقدماً مع إسرائيل بشكل رئيسي؛ ولهذا، كانت خطته منحازة لصالح إسرائيل بشدة، عاكسة آراء الجناح اليميني الإسرائيلي. وضمن 181 صفحة، دعت الخطة إلى «دولة» فلسطينية، ليست دولة ذات سيادة في الواقع وإنما خاضعة لسيطرة إسرائيل. كما دعت خطة ترامب إلى سيطرة إسرائيلية مباشرة على كل القدس الكبرى ومعظم الضفة الغربية ووادي الأردن، مع قيود على غزة. وكان ترامب يتوقع أن تُستقبل الخطة بترحيب واسع، غير أن إسرائيل فقط هي التي أعجبت بها عموماً. ذلك أن كلا من الجامعة العربية، و«المؤتمر الإسلامي»، وأمين عام الأمم المتحدة، وكل المرشحين الرئاسيين «الديمقراطيين» في الولايات المتحدة رفضوها بمن فيهم بايدن. ونتيجة لذلك، فالأرجح أن الرئيس بايدن سيتجاهلوها بكل بساطة.
بيد أن خطة ترامب هذه كانت لها تداعيات مهمة لأنها شجعت رئيس الوزراء نتنياهو على الإعلان عن خطة لضم الضفة الغربية والقيام بذلك بحلول يوليو 2020. فكرة كان يشاطرها سفير ترامب إلى إسرائيل ديفيد فريدمان. ولكن الضم أحادي الجانب للضفة الغربية توقف عندما أعلنت الإمارات العربية المتحدة والبحرين في أغسطس إقامة علاقات مع إسرائيل. ثم استضاف الرئيس ترامب مراسم توقيع الاتفاق في سبتمبر، بحضور وزير الخارجية الإماراتي. كما أقامت السودان والمغرب علاقات مع إسرائيل. وكانت الحكومة الأميركية والجمهور الأميركي سعيدين بالاتفاقات التي تزعمتها الإمارات، ووُقّعت بين إسرائيل وأربع دول عربية. ويمكن القول إن بوسع أطراف هذه الاتفاقات الجديدة التعويل على الرئيس بايدن في دعمها.
ويمكن التكهن بشأن جوانب أخرى من النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني سيتعين على الرئيس بايدن معالجتها في مرحلة ما، ومن بينها الدعم المالي للفلسطينيين الذي قطعه الرئيس ترامب وقد يستأنفه الرئيس بايدن. ثانياً، ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس. والأرجح أن بايدن لن يعكس هذا القرار، ولكنه قد يعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس التي كانت تعمل مع الفلسطينيين. وعلى كل حال، ربما يريد بايدن إعادة التوازن إلى السياسة الأميركية تجاه إسرائيل وفلسطين. ثالثاً، تواصل إسرائيل بناء المستوطنات على الضفة الغربية، وهي خطوات ربما سيطعن فيها بايدن؛ غير أنه سيشدّد دائما على الدبلوماسية، أسلوبه المفضل، بدلاً من التهديدات.
والواقع أن الإسرائيليين والفلسطينيين يتطلعون إلى رؤية ما سيقترحه الرئيس بايدن بخصوص هذه التفاصيل؛ غير أنهم قد يحتاجون للانتظار لبعض الوقت إلى حين التعاطي مع مسائل أكثر إلحاحاً واستعجالاً في الداخل من قبيل الوباء والأزمة الاقتصادية التي نجمت عنه. ولكن في النهاية سيتعين عليه مواجهة هذه التحديات.