من أكتوبر وحتى عيد الشكر، توفي عدد كبير من الأميركيين الريفيين بسبب «كوفيد-19» بما يقرب من ضعف معدل أقرانهم في المناطق الحضرية. وعلى الرغم من أن هذا الفارق الكئيب قد تقلص إلى حد ما منذ ذلك الحين، إلا أنه من الواضح أن الوباء الذي كان مرتبطاً في السابق بالمدن الكثيفة سيُلحق بعضاً من أخطر الأضرار بالريف. وينضاف تقرير حديث صادر عن وزارة الزراعة الأميركية إلى مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تظهر أن المناطق الريفية ستكون مثقلة بآثار الفيروس -الاقتصادية والطبية والاجتماعية -لسنوات عديدة قادمة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من جميع نقاط ضعفها، كانت بعض هذه المناطق مزدهرة بالفعل قبل انتشار الوباء. وقد تفتح الأزمة فرصاً جديدة لمعالجة بعض المشاكل التي لطالما لاقت إهمالاً.
قبل أن يضرب فيروس كورونا المستجد، كانت بعض المناطق الريفية قد توصلت إلى صيغة جديدة واعدة لتنشيط نفسها. على وجه الخصوص، كان لدى المقاطعات في غير المدن الكبيرة، حيث كانت صناعة السياحة هي المهيمنة، أسرع معدلات نمو الدخل الشخصي بين عامي 2010 و2017. لم يكن هذا من قبيل الصدفة: فعلى مدى العقد ونصف العقد الماضي، استثمرت المدن الصغيرة 20 مليار دولار في مراكز المدينة، ما ساعد على إنشاء حوالي 28,000 شركة جديدة. ويتضمن هذا النوع من النمو عادةً استثمارات بين القطاعين العام والخاص في الأصول، مثل مباني الشارع الرئيس الكلاسيكية.
وتعد «روك سبرينجز»، بولاية وايومنج، مثالا جيداً، حيث كانت في عام 2005 مدينة تعدين متضررة لا تلقى عنايةً كافيةً. لكن في ذلك العام، قامت المدينة بتشكيل وكالة للتجديد الحضري عملت منذ حينها مع المسؤولين والشركات المحلية على تجديد المباني القديمة في وسط المدينة، وعلى تقديم المنح لجذب الشركات الجديدة (من خلال المساعدة في الإيجار والامتيازات الأخرى)، وعلى رسم خطط تنموية. وكانت النتائج قوية: أصبحت روك سبرينجز الآن مركزاً سياحياً جذب استثمارات خاصة بأكثر من 2.3 مليون دولار بين عامي 2015 و2019. بالنسبة لمدينة يقل عدد سكانها عن 25,000 نسمة، كانت هذه نعمة كبيرة استفادت منها منطقة بأكملها.
وحققت أماكن متباينة مثل «إمبوريا» و«لارامي» بولاية وايومينج نجاحات مماثلة في السنوات الأخيرة، حيث انتشرت الحانات والمطاعم والمحلات ومناطق الجذب السياحي في الشوارع الرئيسية الصاخبة حديثاً. لكن، لسوء الحظ، أوقف «كوفيد-19» الكثير من هذا النشاط. ووفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، فإن المقاطعات في غير المدن الكبيرة، والتي تقوم فيها الصناعات على الترفيه، لديها الآن معدل بطالة يبلغ 7%، مقارنة بحوالي 5% في المقاطعات ذات الصناعات القائمة على الزراعة. وحتى هذا التباين من المحتمل أن يقلل من الضرر، حيث تفقد الوظائف غير الثابتة -مثل المرشدين السياحيين الذين يعملون بدوام جزئي، زبائنهم بشكل كبير.
هذا سيئ بما فيه الكفاية، لكن هناك مخاوف من أن يكون التباطؤ ضاراً بشكل خاص في هذه المجالات. ولسبب واحد، فإن النقص طويل الأمد في خدمات الصحة العقلية في المناطق الريفية في أميركا، يعني أن الارتفاع المتوقع في القلق والاكتئاب والحالات الأخرى المتعلقة بالبطالة، قد لا تتم معالجته إلى حد كبير. ويكمن الخطر في أن العاطلين الجدد عن العمل يصبحون عاطلين عن العمل على المدى الطويل.
لكن لحسن الحظ، تلك ليست النتيجة الوحيدة الممكنة، حيث يشير «كيلي أشي»، الباحث في مركز السياسات الريفية والتنمية في نيو لندن (مينيسوتا)، إلى أن المناطق في غير المدن الكبيرة، والتي كان الكثير منها يفتقد للكثافة السكانية لعقود، أصبحت أكثر جاذبية لسكان المدن الذين يبحثون عن مساحات مفتوحة خلال الوباء، خاصة أولئك الذين لم يعودوا بحاجة للحضور إلى مكاتبهم في المدن الكبيرة.
لن يساعد جذب عمليات إعادة التوطين الحضرية على المدى الطويل في الحفاظ على التقدم المحرز في إنشاء مناطق تجارية ريفية نابضة بالحياة. كما يمكن أن يجدد الضغط على واشنطن لمعالجة المشاكل -مثل نقص الرعاية الصحية الجيدة- التي كانت تعاني منها المناطق الريفية في أميركا قبل فترة طويلة من تفشي الوباء.
ويمكن لإدارة الرئيس جو بايدن المساعدةَ في تحفيز هذا الانتقال من خلال دعم التمويل الإضافي لمراكز البلدات الريفية عبر إدارة التنمية الاقتصادية الأميركية. ويمكن لوكالات إعادة التطوير المحلية تقديم المساعدة للشركات الصغيرة التي تسعى للحصول على منح ومساعدات فنية، مثل المساعدة في تلبية المتطلبات الصحية الجديدة المتعلقة بفيروس كورونا. كما يتعين على الكونجرس أن ينظر أيضاً في إنشاء مؤسسة لتمويل التنمية الريفية يمكنها البحث عن استراتيجيات مبتكرة طويلة الأجل للتنشيط.
ويمكن أن تساعد هذه الجهود في تقليل الضرر الفوري الذي أحدثه فيروس كورونا في هذه المناطق والمساعدة في إعادة الرخاء والفخر إلى تلك المجتمعات.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»