الإحساس بالأخطار المهددة للأمن الوطني لدول شبه الجزيرة العربية كان الدافع الرئيسي لاقتراح المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، في عام 1976 لأخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس وباني نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة، بضرورة إنشاء كيان خليجي يهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها. ومن هنا اجتمعت إرادة ورغبة قادة كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين في اجتماع عقد في أبوظبي في الخامس والعشرين من شهر مايو 1981 في تأسيس «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، ليكون الجهة العربية الخليجية الأبرز على مدار العقود الأربعة الأخيرة، والذي استطاع الصمود أمام مختلف التحديات والصعوبات، والمضي قدماً نحو ترسيخ هوية المواطن الخليجي، الذي تربطه أواصر الدين والدم بشقيقه الخليجي.
ومما لا شك فيه أن مجلس التعاون الخليجي واجه العديد من الأزمات التي كادت تعصف بالقواعد التي وضعها الآباء المؤسسون، ولكنه استمر في مسيرته لسبب رئيسي وهو استمرار الإحساس المشترك لقادة دوله منذ 1981 بخطورة التحديات المحيطة بهم وضرورة الوقوف على أرضية مشتركة من التفاهم والتنسيق لمواجهتها، والأمثلة على تلك الأزمات عديدة. ولعل من أبرزها: الحرب العراقية- الإيرانية واحتلال العراق لدولة الكويت وتوابع الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وإرهاب الجماعات المتطرفة والأزمة المالية العالمية 2007 – 2008، التي اعتبرت الأسوأ من نوعها في العالم منذ فترة الكساد الكبير عام 1929. أضف إلى ذلك، الأزمة الخليجية الأخيرة منذ عام 2017، والتي طوى صفحتها قادة دول المجلس في قمتهم الحادية والأربعين الأخيرة في محافظة «العلا» في المملكة العربية السعودية. وأثناء كافة تلك الأزمات، وما قد يأتي في المستقبل، برزت حكمة القادة واستمرار إحساسهم المشترك بضرورة تجاوز الأزمات والمضي قدماً في الاستعداد لمواجهة ما هو أسوأ، ألا وهو خطر تهديد النسيج الاجتماعي المشترك واستقرار وأمن شعوب دول المجلس من إرهاب ومخططات إقليمية توسعية.
ولذلك جاء إعلان قمة «العلا» الأخيرة ترجمة حقيقية وواقعية وعملية لأسس إنشاء المجلس، والتي برزت في الاتفاق على العمل على استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسة خارجية موحدة. كما لم يغفل قادة دول المجلس ما يمر به العالم أجمع من تبعات تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وأعلنوا تفعيل دور«المركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها»، الذي تم تأسيسه في قمة «العلا»، انطلاقاً مما تضمنته رؤية خادم الحرمين الشريفين، وتمكينه لمواجهة الجائحة وغيرها من الأوبئة. كما أكد قادة دول المجلس على تحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، بما في ذلك منح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، وبناء شبكة السكة الحديد الخليجية، ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتنمية القدرات التقنية في الأجهزة الحكومية، بما في ذلك الذكاء الصناعي، وتطوير المناهج التعليمية وتعزيز التعاون بين مؤسسات دول المجلس ومنظمة التعاون الرقمي التي تأسست عام 2020، وغيرها من النقاط الأخرى الاستراتيجية التي تضمنها اتفاق «العلا».
ولكن برأيي، فإن قادة دول مجلس التعاون الخليجي على يقين كامل بأن شعبهم الواحد سيستمر في التآزر والتعاضد لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار حالياً ولأجيال المستقبل من أجل مجلس موحد وقوي.