وافق أعضاء «أوبك بلَس» على إبقاء مستويات الإنتاج في فبراير ومارس عند المستوى الذي كانت عليه خلال شهر يناير، وذلك بعد تعثر أعضاء المنظمة في التوصل إلى اتفاق خلال اجتماعهم المنعقد بتاريخ 4 يناير 2020 جراء تباين الآراء بين روسيا وبقية الدول الأعضاء بشأن زيادة الإنتاج، فيما أعلنت المملكة العربية السعودية من جانبها أنها ستخفض الإنتاج طوعاً بمقدار مليون برميل يومياً عن مستويات إنتاج شهر يناير. ورغم تحسُّن اتجاهات السوق بعد طرح لقاح «كوفيد - 19»، فقد كان الدافع وراء قرار الامتناع عن زيادة الإنتاج هو الشكوك التي تحوم حول التعافي الاقتصادي وضعف الطلب؛ لأن الكثير من الناس ما زالوا يعملون من منازلهم، وما زالت حركة السفر، جواً على وجه الخصوص، منخفضة.
لقد أصبح الدور الذي تلعبه «أوبك» اليوم لضمان توازن السوق والحفاظ على عافيته وقوته أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث ما زالت الدول الأعضاء تنتج نحو 30% من إمدادات النفط العالمية، وتمتلك نحو 79% من احتياطيات النفط العالمية. وتقع معظم هذه الاحتياطيات في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك نحو 65% من إجمالي احتياطيات «أوبك». إضافة إلى هذا، سيشهد الطلب على النفط انتعاشاً بطيئاً، وسيستعيد المستوى الذي كان عليه في 2019 قبل حلول عام 2023، غير أن تقلبات الطلب سوف تظل سمةً ملازمة لأسواق النفط في المستقبل. ويذكر، في هذا السياق، أن «أوبك» تمتلك قدرة إنتاجية واحتياطيات نفطية ضخمة تمكِّن أعضاءها من ضبط إمدادات النفط عند مستوى يسمح لها بالاستجابة لديناميات السوق وتقلبات الطلب والأسعار.
لقد اضطلعت «أوبك» بهذا الدور الحاسم، المتمثل في الحفاظ على استقرار أسواق النفط وتوازن العرض والطلب، مرات عديدة خلال تاريخها، وكثيراً ما قرر أعضاؤها تحمُّل العبء الأكبر من حيث خفض الإنتاج من أجل ضمان سعر عادل للمنتجين والمستهلكين على حدٍّ سواء على غرار ما حدث عندما قررت المنظمة تخفيض الإنتاج بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً استجابةً لأزمة الأسعار في عام 2008. وفعلت الشيء نفسه استجابةً لضعف الأسعار في 2016، واتفقت مع روسيا على خفض الإنتاج لتحقيق توازن في السوق، وإيقاف دوامة هبوط الأسعار. كما دُعِيَت أوبك مرة أخرى لمعالجة العرض المفرط الناتج عن تراجع الطلب الحاد بسبب وباء «كوفيد - 19»، حيث وافقت «أوبك» والمنتجون الآخرون على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 برميل يومياً كان لـ«أوبك» حصة الأسد منها، ومن دون هذا التدخل لاستمرت الأسعار في تراجعها إلى مستويات كانت ستلحق أضراراً طويلة المدى بجميع الدول المنتجة وتفاقِم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء «كوفيد - 19».
إن قرار «أوبك» الأخير القاضي بإبقاء الإنتاج عند مستواه الحالي وقرار المملكة العربية السعودية الطوعي بخفض إنتاجها يقفان شاهداً آخر على الحاجة إلى استمرار «أوبك» في الاضطلاع بدورها بصفتها عامل استقرار رئيسياً في أسواق النفط العالمية.
*مركز تريندز للبحوث والاستشارات.