تعتبر الأسر الزراعية رائدة في معالجة التحديين الزراعيين الملحين اللذين تواجههما منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا حالياً وهما تحسين أمن الغذاء والتغذية، وضمان التنمية الزراعية الشاملة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الموارد الطبيعية.
ومنذ سنوات، تواجه المنطقة العديد من التحديات التي يمكن أن تقود في النهاية إلى انتكاسة خطيرة في التقدم نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. ومن بين هذه التحديات تزايد الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية الشحيحة أو المتضائلة وخاصة المياه، وارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية، والأزمات السياسية والاجتماعية المستمرة منذ فترة طويلة في العديد من البلدان، وتأثيرات التغير المناخي، والتباطؤ الاقتصادي، خاصة بسبب تأثيرات جائحة كوفيد-19.
وتستدعي هذه التحديات الملحة والمقلقة نموذجاً جديد لإحداث التحول في النظم الغذائية والتنمية الريفية، يضع نصب اهتمامه الاستدامة البيئية والاجتماعية، ويضمن أمن الغذاء والتغذية للجميع.
ويجب أن تكون الأسر الزراعية في قلب هذا التحول الجذري.
فالأسر الزراعية – والتي تشمل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، وصيادي الأسماك، ورعاة الماشية، ومزارعي الجبال، والنساء والشباب الريفيين – تمتلك إمكانات فريدة تجعل منها عنصراً أساسياً في التحول الريفي والتنمية المستدامة.
تلعب الأسر الزراعية دوراً مهماً في الإنتاج الزراعي، وفي أمن الغذاء والتغذية، وتحسين سبل العيش، وإدارة الموارد الطبيعية، وحماية البيئة.
والأسر الزراعية هي الشكل السائد بين أشكال الإنتاج الزراعي في المنطقة، وهي مسؤولة عن أكثر من 80 في المائة من الإنتاج الزراعي.
وعلى الرغم من أن الأسر الزراعية هي العمود الفقري لنظامنا الغذائي، فإنها تواجه مجموعة كبيرة من التحديات الاجتماعية- الاقتصادية وغيرها من التحديات. فالعديد من هذه الأسر في المنطقة تعيش في حالة فقر، بل ومن المفارقات، أن العديد منها تعاني من الجوع.
وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى مضاعفة المشاكل بشكل عام، وخاصة للمزارعين الذين يعملون على نطاق صغير. فالإغلاقات والقيود على الحركة تعيق وصولهم إلى الأسواق، كما أن السلع القابلة للتلف التي تشكل معظم إنتاجهم، هي الأكثر تأثراً بهذه القيود.
هذا أمر غير مقبول، سواء لهذه الأسر أو لمستقبلنا الجمعي.
تساعد الأسر الزراعية بشكل كبير في خلق فرص العمل – داخل المزارع وخارجها – وبالتالي فإنها تسهم بشكل كبير في نمو الاقتصادات الريفية، وتحافظ على التنوع الحيوي والنظم البيئية وتستعيدها، وتستخدم طرق الإنتاج التي يمكن أن تساعد على خفض مخاطر التغير المناخي. كما أنها تضمن تناقل المعرفة والتقاليد المهمة من جيل إلى جيل. ولكن لكي تتمكن من الاستمرار في ذلك في عصر التغير السريع والتحديات المتعددة، فإن هذه الأسر بحاجة إلى دعمنا.
ولهذا السبب تتشارك منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) في تنظيم فعالية افتراضية هذا الأسبوع لتسليط الضوء على دور الزراعة الأسرية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ويشارك في هذه الفعالية مزارعون ومنظمات زراعية من جميع دول المنطقة.
تمتلك الأسر الزراعية إمكانات هائلة، ولكنها تفتقر إلى الوصول إلى الموارد والخدمات التي تدعم إنتاجها وتسويقها للغذاء. كما أن البنى التحتية في المناطق الريفية ضعيفة، والظروف البيئية والمناخية التي تعتمد عليها هذه الأسر مهددة.
إن دعم الأسر الزراعية يوفر فرصة فريدة لمعالجة احتياجات الأجيال المستقبلية لبناء نظم زراعية وغذائية مرنة ومستدامة. لذلك يجب وضع الأسر الزراعية في قلب برامج التنمية الوطنية والإقليمية من خلال توفير المساعدة الفنية، ووضع السياسات التي تساعد في زيادة إنتاجية المزارع الأسرية، وتحسين وصول هذه الأسر إلى الأراضي والمياه والتمويل والأسواق، وكذلك من خلال خلق بيئة مواتية لمزيد من الاستثمارات والابتكار.
علينا جميعاً مسؤولية العمل على تحقيق إمكانات الأسر الزراعية، وهذا يشمل الحكومات، وجمعيات وشبكات الأسر الزراعية، والوكالات والمنظمات الدولية والإقليمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
وتنفذ مبادرة المنظمة الإقليمية الخاصة بالأسر الزراعية ذات الحيازات الصغيرة مشاريع تسهم مباشرة في زيادة الإنتاجية الزراعية ودخل الأسر الزراعية، والحد من الفقر الريفي من خلال التنمية الزراعية للحيازات الصغيرة في المنطقة، مع تركيز العمل في مصر، والأردن، والجزائر، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب، والسودان، وتونس، والضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد أدرك صندوق إيفاد دائماً الفوائد الكامنة في الاستثمار في الأسر الزراعية ذات الحيازات الصغيرة، وهو الوكالة المتخصصة الوحيدة في الأمم المتحدة والمؤسسة المالية الدولية التي تركز بشكل حصري على التنمية الزراعية والريفية وعلى تمكين الفئات الأكثر ضعفاً. ومنذ العام 1978 استثمر صندوق إيفاد أكثر من 22.4 مليار دولار في منح وقروض منخفضة الفائدة من خلال مشاريع مكّنت أكثر من 512 مليون شخص من سكان الريف لدعم الأمن الغذائي وخفض الفقر الريفي لخلق مجتمعات ريفية حيوية. وفي هذه المنطقة، ركز إيفاد عملياته على المزارعين الأسريين الذين غالباً ما يقطنون مناطق نائية تفتقر إلى الموارد، ولكن يمكن أن يكونوا لاعبين أساسيين في تحقيق التنمية المستدامة.
ويوفر «عقد الأمم المتحدة للزراعة الأسرية» وخطة العمل العالمية الخاصة بها فرصة استثنائية. وتقدم «الفاو» و«إيفاد» وعدد من الشركاء الرئيسيين، جيلاً جديداً من المشاريع، وتعزز بيئة وضع السياسات، وتوفر التدخلات الفنية المصممة خصيصاً للمنطقة. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز الزراعة المستدامة وإحداث التحول في النظم الزراعية، بينما تضع الزراعة الأسرية في قلب هذه السياسات.
وسيجعل «عِقد الأمم المتحدة للزراعة الأسرية» نماذج الإنتاج المستندة إلى الأسرة محور التدخلات التي ستسهم في تحقيق الأهداف التي نشترك فيها معاً، وهي عالم خال من الجوع والفقر تدار فيه الموارد بشكل مستدام ولا يُترك فيه أحد.
سيرج ناكوزي*
*نائب الممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا
دينا صالح**
**مديرة المكتب الإقليمي للصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا