عند تسلم بايدن دفة قيادة أميركا بعد 20 يناير 2021، من المعهود أن يمضي الرئيس سنته الأولى في ترتيب أوراقه الداخلية. أي بمعنى آخر، بأن العالم من حول أميركا سيبقى في حالة انتظار حتى يفرغ من تحديد أولوياته المحلية، ومن ثم في عام 2022، يفكر في جدولة الأجندة الخارجية من حول العالم الذي سيبدأ في تنفس الصعداء وخاصة في أجزائه المرتبطة مفصلياً بتحركات أميركا الخارجية.
هناك خيط رفيع يفصل بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» في طريقة إدارة الملفات المهمة في السياسة الخارجية لأميركا، وليس بينهما أي تضارب لأنها لا تغفل أبداً عن مصلحة الوطن ولو اختلفت سبل تحقيقها.
أهم تلك الملفات قاطبة: روسيا الصين وإيران وفلسطين، نوجزها في عجالة وهي تحتمل مجلدات ضخمة.
نبدأ بروسيا التي انكمشت من رحم القيصرية والإمبراطورية في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى في 1914 وحتى سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، وتحكمت فيها أميركا وفق قانون «ماد» لوزير دفاعها الأسبق «ماكنامارا»، وهو يعني إبادة الكل للكل عبر السلاح النووي، من أجل تحقيق توازن القوى.
أما التعامل مع الصين، فقد أشعل ترامب «الجمهوري» حرباً تجارية باردة حتى اللحظة، وهذه وزارة التجارة الصينية تؤكد معارضتها للخطوة الأميركية لمنع استثمارات الولايات المتحدة في بعض الشركات الصينية، وتقول إن أميركا أساءت استعمال السلطة وقمعت شركات صينية وانتهكت المبادئ المتعلقة بمنافسة السوق، كما انتهكت قوانين التجارة الدولية.
أما سياسة «الديمقراطيين»، فهي منذ عهد بيل كلينتون إلى المتوقع في زمن بايدن، العودة إلى سياسة «العطس والتشميت» الاقتصادية، وكذلك سياسة «سقوط الصين يعنى سقوط واشنطن» والاعتماد على نظرية كيسنجر في عدم التفكير البتة في مواجهة الصين «عسكرياً»، وغزوها اقتصادياً خير من إطلاق أي رصاصة عليها ولو من باب التدويش. تلي الصين إيران الملالي التي احتلت السفارة الأميركية «444» يوماً ولم تفكر في واشنطن في غزوها ولو بعد مرور «40» عاماً على الثورة التي لا تريد أن تخمد.
فسياسة بايدن الآن هي احتواء إيران كما احتوت روسيا من قبل. وكذلك جعلت من إيران الشاه وإيران الخميني شرطة أميركية وخفر سواحل في منطقة الخليج العربي، لا غير مع الضير.
سوف يعيد بايدن الحياة إلى الاتفاقية النووية التي مزقها ترامب كما وعد ولكن دون أن يطلق على إيران رصاصة الموت السياسية.
يبقى الملف الفلسطيني عالقاً في فترة بايدن كما كان في فترتي أوباما، ولم يحركها شعرة غير ترامب الذي دعم اتفاقيات السلام.
لم يلاحظ الكثيرون رأي بايدن عندما أكد وقوفه مع حل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية، التي ستبقى معلقة أميركيا وفلسطينياً وعربياً وإسلامياً كذلك طوال فترة رئاسة بايدن.
والسياسة الخارجية للحزب «الديمقراطي» غالباً ما تميل إلى الامتداد في العالم الأكبر، بعكس الحزب «الجمهوري» الذي ينسحب إلى الداخل.
وأحدث مؤشر على المضي في الانخراط، يأتي من مجلس الأمن القومي الأميركي بـ«تويتر»: «نحن فخورون جدًا بالشراكة الاستراتيجية التي بنيناها مع الآسيان، وهي شراكة تقع في قلب المحيطين الهندي والهادئ، ونحن ملتزمون بها أكثر من أي وقت مضى. روابطنا عميقة. صداقاتنا قديمة، ومستقبلنا مشرق».