من المعلوم لدى كل منصف أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين القيم والفضائل والمكارم والأخلاق، وتعاليمه كلها أمان وسلام، ورحمة وعدل ورفق، وتسامح وتعاون، وقبول واحترام للآخر، وانفتاح على جميع الثقافات والشعوب، وتنمية للأوطان، واقتناص للمعارف والتنافس في العمران.
بَيْد أن ما تعاني منه اليوم بعض المجتمعات المسلمة في مختلف الدول والقارات، أنها انحرفت عن قبلتها الصافية النقية، ومبادئها السامية، فاستُغلت في مشاريع أيديولوجية، ووظِّفت لخدمة أطماع دول معينة، وخُدعت باسم الدين والتاريخ، وصُوِّر لها أن الخليفة الذي سيعيد عهد الخلافة العثمانية قادم! وأحفاده التاريخيين هم قادة المسلمين، ليكتشف الجميع بعد انجلاء الغيوم الملبدة، أن تلك الزوابع إنما هي سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، فالأمر الذي لا مرية فيه لدى كل مطالع في تاريخ تلك الفترة يتأكد لديه أن حقيقة أولئك الذين يبتغون استعادة الأمجاد كما زعموا، أنهم غزاة تدثروا بلباس الدين، واستغلوا الشعوب وأزماتها، ولعبوا على العواطف، وتاجروا بالدماء والأعراض، وهم أحرص ما يكونون على مصالحهم الدنيوية والسياسية والتاريخية والثقافية، ومن أجلها فقط فهم مستعدون للتحالف مع الإرهاب والإرهابيين، وجميع أصناف المتطرفين المشردين من شتى الدول، وإيوائهم وجعل بلدهم قبلة ومعبرًا لكل متطرف متشدد، سافك للدماء، ناسف للقيم الإنسانية.
إن من أعظم الأخطار التي وقع فيها الكثيرون هي قلة الوعي بذلك، والجهل بالتاريخ، والانبهار بالأحلام الإمبراطورية لبعض الدول، والترويج لمصالحها الاقتصادية، والإعجاب بأوهام السيطرة على جميع دول المسلمين، والعمل على محاربة الدولة الوطنية، ونشر الحقد والكراهية، والتعاون مع الأعداء من أجل تحقيق هذه الأهداف، وساعدهم على ذلك اختطاف الدين وتشويهه من ممثلين أدعياء، وسلوك جميع السبل والوسائل التي تؤدي هذا الغرض، فكم من مسلسل كانت غايته تحقيق هذا المقصد؟ وكم من مؤتمرات وندوات تروم التلاعب بالتاريخ؟ وكم من برامج دينية وثقافية وتاريخية تُسَوَّق لغرس تلك الأفكار والتلاعب بالمفاهيم؟ فجُيشت العواطف، وهُيجت المشاعر، وتغيرت المفاهيم، وحُولت الأنظار إلى قبلة دون قبلة المسلمين، وتهاطلت دعوات النصر للخليفة المزعوم أردوغان! بل تَحمس البعض لبيع مقتنياته النفيسة لدعم اقتصاده المنهار.
إنه واقع مؤلم وحقائق صادمة، وغفلة مُهولة، وليس لذلك من حقيقة إلا أوهامًا وأطماعًا وأحلامًا فارغة، واستغفالًا لشعوبنا الطيبة، ولم يكن كل ذلك ليتحقق لهم لولا أن بين شعوب المنطقة وفي أبنائها خونة لدولهم خارجين عن فطرتهم، باعوا ولاءهم لتلك الانتماءات الحزبية الإرهابية، فجعلوهم مطية ومتكأ لهم، ووضعوا أيديهم في يد أعداء الأوطان، باسم الدين، والله تعالى قد نهانا عن خيانة أوطاننا فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) في حين أن الدين كان بالنسبة لتلك الدولة مجرد مطية، ووسيلة لمزيد من التوسع والسيطرة، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية ونشر أفكارها.
وها هو العالم اليوم كله يكتشف خطورة هذا النهج الذي صَمم أصحابه على نشر التطرف ودعم الإرهاب وزرع الفتن، وتأجيج الصراعات، حتى بات هذا النهج اليوم يشكل خطورة لدى الدول الحريصة على مصالحها، لما جرّ هذا النهج على الإسلام والمسلمين في كثير من البلدان من دعم العمليات الإرهابية، وجعل الإسلام عبارة عن دعاية سياسية.
إن المشاريع المبنية على الكذب والافتراء والادعاء والتغلغل في الأوطان، وأوهام السيطرة، واستغلال خيرات الشعوب، لن تقوم لها قائمة بإذن الله تعالى، فها هي دولة الخلافة المزعومة تنهار على أيدي الحمقى وتتآكل أطرافها، لأن أحلامها ستبقى أحلامًا وأوهامًا وأمنيات، طالما هناك شعوب تُخلص في ولائها وانتمائها لأوطانها وقادتها، وتفديها بالنفس والنفيس، وستكون العواقب وخيمة لتلك الدول الطامعة فتخسر تنميتها، وينهار اقتصادها، وتكون وبالًا على شعوبها وتاريخها ومستقبلها، ونتيجة كل ذلك أنها ملفوظة من العالم أجمع، مطرودة فاقدة الثقة من محيطها المسلم.
إن رهاننا دائماً هو على أجيالنا الواعية ويقظة شبابنا المتمسك بوطنه وقيادته، والمدرك لما يخطط له المتربصون به، فالمتاجرة بالأديان والأوطان والعواطف كان المستهدف فيها الشباب، وما دام لديهم ما يكفي من الوعي فإن دولنا في استقرار وأمان، فالخير كله في الوفاء للأوطان والتشبث بها، بعيدًا عن أضغاث أحلام ما يسمى بالخلافة، وأساليب التضليل والترويج لأيديولوجيات نهايتها الانهيار والفشل، ومن كانت قبلته وطنَه ولاءً وانتماء وتنميةً وعلمًا وفكرًا وقدوة وثقافة واقتناعًا، كان عاملَ استقرار وازدهار، وكما أن «خيركم خيركم لأهله» فخيركم خيركم لوطنه.
*كاتب إماراتي