لقد كانت حملة انتخابية طويلة ومتنازعا عليها بشدة، وسيطرت عليها كما هو متوقع جائحة كوفيد-19. ونحن نعرف النتيجة بالفعل.
لا، ليس الحملة الانتخابية لانتخابات نوفمبر في أميركا، ولكن تصويت السبت قبل الماضي في نيوزيلندا. هناك، فازت رئيسة الوزراء«جاسيندا أرديرن» بأغلبية ساحقة ذات أبعاد تاريخية. وقدم فوزها درساً مهما للغاية للقادة في جميع أنحاء العالم في السياسة خلال جائحة كورونا.
إنها في الواقع سلسلة من الدروس: فالقيادة تهم، ونوع القيادة يهم، وعلى الرغم من أنه حتى النوع المناسب لا يمكنه إنقاذ حياة كل شخص أو تجنب الألم الاقتصادي والاجتماعي العميق، فإنه في النهاية سيكافأ بتفهم ودعم معظم المواطنين.
تعد «أرديرن»، التي قادت حزب «العمل» الذي تنتمي إليه ليحصل على أعلى نصيب في الأصوات منذ خمسة عقود، هي أوضح مثال على ذلك. لكن هناك آخرون: المستشارة أنجيلا ميركل في ألمانيا، على سبيل المثال، أو «ك. شيلاجا»، وزيرة الصحة في ولاية كيرالا الهندية، أو حُكام بعض الولايات الأميركية مثل «أندرو كومو»، نيويورك.
اختلف مسار الوباء من مكان إلى آخر، فألمانيا وكيرالا، على الرغم من تكبدهما خسائر أقل بكثير من جيرانهما، تواجهان الآن موجة أخرى من العدوى، ونيويورك ليست بعيدة عن الخطر تماماً أيضا، لكن قادتها اتخذوا نهجاً مشابهاً إلى حد كبير لنهج «أرديرن».
وملامح هذا النهج هي الوضوح، والتماسك، وصفة تبدو غريبة تقريبا في الجو السياسي اليوم، وهي التعاطف.
أولا، الوضوح هو وضوح الرسالة وإيصالها بهدوء وثبات. فقد ذكرت أرديرن والآخرون لمواطنيهم: هذا الفيروس ينتشر من شخص لآخر. الطريقة الوحيدة لمواجهته هي الابتعاد عن بعضنا البعض، وحتى الانغلاق عند الضرورة. سيكون ذلك صعباً. وسيكون الأمر مؤلما لنا جميعا، لكنني بحاجة إليكم، ونحن بحاجة لبعضنا البعض، للقيام بذلك معا.
ثم، التماسك: اعتماد تدابير محددة -تتراوح من التباعد الجسدي وارتداء الأقنعة، والاختبار والتتبع، إلى عمليات الإغلاق - والالتزام بها حتى لو نفد صبر الناس وبدؤوا في المطالبة بتخفيف القواعد.
وهذا جزئياً سبب اعتماد الكثير على التعاطف، وقدرة القادة على نقل الإحساس بأن شعبهم يواجه تحدياً مشتركاً في السعي لتحقيق هدف واحد: حماية العائلة والأصدقاء والجيران والمواطنين، وإنقاذ الأرواح.
في بعض الأماكن أصبح هذا أقرب إلى الحب القاسي. كانت «شيلاجا»، وزيرة الصحة في ولاية كيرالا واضحة في الأيام الأخيرة عندما شجبت «التراخي الكبير» الذي أظهره الجمهور خلال مهرجان ديني أقيم في أغسطس الماضي، بالإضافة إلى سلسلة من المسيرات السياسية التي تهدد بموجة جديدة من الحالات.
ولكن عندما يتعلق الأمر بشيلاجا، لم تكن إنسانيتها الكامنة موضع شك إطلاقاً. لقد اكتسبت شهرة وطنية في إدارة فيروس آخر قبل عامين -من خلال زيارة القرويين المذعورين في بداية تفشي المرض شخصياً لشرح التهديد وكيف يمكن درأه.
وفي ألمانيا، بدت المستشارة ميركل دائما غير مرتاحة إلى حد ما تجاه ما أبداه الجمهور من مشاعر. ومع ذلك، فإن لقبها السياسي - موتي، بالألمانية تعني «أمي» -يشير إلى التأثير الأمومي المهدئ الذي تتمتع به مع الجمهور.
بينما تغذي التجمعات الاجتماعية بين الشباب موجة ثانية محتملة من كوفيد-19، خاطبتهم مباشرة الأسبوع الماضي: «ألا يستحق الأمر التحلي بالصبر قليلا الآن؟ كل شيء سيعود -الحفلات، والخروج، والمتعة من دون قواعد فيروس كورونا، ولكن في الوقت الحالي، هناك شيء آخر مهم للغاية: أن نفكر في بعضنا البعض، ونتماسك معا».
وفي إحاطته الإخبارية اليومية، في ذروة الوباء في نيويورك في وقت سابق من هذا العام، توقع الحاكم «كومو» حاجة الناس للبقاء قاسين، لكنه ذكر جمهوره في أكثر من مناسبة بأن جزءاً من كونك قوياً هو القدرة على إظهار اهتمامك بالآخرين.
ومع ذلك، فإن السيدة «أرديرن» هي التي تقدم المثال الأكثر دراماتيكية للقيادة الواضحة والمتماسكة والعطوفة، التي تظهر النتائج. فقد توفي 25 شخصا فقط بسبب الوباء في نيوزيلندا.
منذ أوائل فبراير - بعد يوم من وفاة رجل في الفلبين وهو أول حالة وفاة بفيروس كوفيد -19 خارج الصين –أعلنت أرديرن عن سلسلة تشديد مطردة من القيود المفروضة على الزوار الأجانب، إلى جانب نظام الحجر الصحي للقادمين. بحلول أواخر مارس، كانت قد فرضت إغلاقا وطنيا، على الرغم من أن نيوزيلندا لم تسجل في ذلك الوقت سوى مئة حالة، ولم تسجل وفيات.
كانت رئيسة الوزراء تقدم بنفسها رسائل فيديو منتظمة تقدم الشرح وتظهر التعاطف: في إحدى المرات تحدثت من غرفة نوم في منزل عائلتها. على الرغم من أن القيود كانت أكثر مرونة بحلول يونيو الماضي، إلا أن ظهور الحالات أدى إلى إغلاق لمدة ثلاثة أسابيع في أغسطس. ومع ذلك، بحلول موعد الانتخابات، عادت الحياة اليومية إلى طبيعتها بعد ثلاثة أسابيع دون إصابة جديدة.
تم الإبلاغ عن حالة واحدة في ذلك اليوم، عامل ميناء، تم وضعه على الفور في عزلة مع أفراد أسرته. هذا الأسبوع، ثبت أيضاً إصابة اثنين من العاملين معه، وكذلك عدد من عمال الصيد الذين وصلوا من موسكو، وتم إرسالهم جميعا إلى أماكن الحجر الصحي التي تديرها الحكومة.
على الرغم من نجاحها في الحد من انتشار الفيروس، تواجه «أرديرن» تحديات أخرى، أهمها التعامل مع التكاليف الاقتصادية الباهظة للوباء. فالاقتصاد، الذي يعتمد بشكل خاص على السياحة، في حالة ركود الآن. وهناك أعداد متزايدة من الناس يطالبون بإعانات الدولة.
تشير الدلائل المبكرة إلى أنها ستسعى لمواجهة هذه التحديات بنفس الطريقة التي استجابت بها للوباء. إذا كان خطاب ليلة النصر الذي يؤكد على أهمية احترام آراء المعارضين يدل على شيء، فسوف تسعى إلى بناء توافق في الآراء، بالتعاطف.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»