في فرنسا، هناك منْ أساء لنبي الرحمة، محمد صلى الله عليه وسلم، لكن هؤلاء أساؤوا في الوقت نفسه إلى أنفسهم وإلى نهج فرنسا العلماني. فبسلوكهم جعلوا هذا النهج يتطرف وينحرف عن مساره. ولكن لفرنسا وجه آخر عقلاني، يمثلها رجالات الفكر والفلسفة والحكمة، من الذين لم يرضوا بأن يجعلوا عقولهم تحت أقدامهم، وأزالوا الغشاوة عن أبصارهم لكي ينظروا إلى الحقيقة المجردة بعين فاحصة.
نضع اليسار المتطرف على هامش المجتمع الفرنسي، ونذهب إلى عقلائه الذي أسسوا فرنسا الحضارة والتنوير الحقيقي. ويقول الفيلسوف الفرنسي (كارديفو):«إن محمداً كان هو النبي الملهم والمؤمن، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التي كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذي أسسه محمد بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عملياً حتى على النبي نفسه». أما الفيلسوف والشاعر الفرنسي «لامارتين»، فقد استطاع بحسه المرهف ومشاعره الدافقة، تلخيص كل ما أنجزه المصطفى في سطور قليلة ولكن بمعان جميلة ومجملة فقد قال في هذا المجال: «إن ثبات محمد وبقاءه ثلاث عشر عاماً يدعو دعوته في وسط أعدائه في قلب مكة ونواحيها، ومجامع أهلها، وإن شهامته وجرأته وصبره في ما لقيه من عبدة الأوثان، وإن حميته في نشر رسالته، وإن حروبه التي كان جيشه فيها أقل من جيش عدوه، وإن تطلعه في إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة الصحيحة لا إلى فتح الدول وإنشاء الإمبراطورية، كل ذلك أدلة على أن محمداً كان وراءه يقين في قلبه وعقيدة صادقة تحرر الإنسانية من الظلم والهوان. وإن هذا اليقين الذي ملأ روحه هو الذي وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات باطلة، وفتحت طريقاً جديداً للفكر في أحوال الناس، ومهدت سبيلاً للنظر في شؤونهم، فهو فاتح أقطار الفكر، ورائد الإنسان إلى العقل، وناشر العقائد المحررة للإنسان ومؤسس دين لا وثنية فيه».
فرنسا ومعها أوروبا، التي قضت قروناً لتحييد الدين الذي كان يجلس في بلعومها عن طريق حكم البابوات والقساوسة باسم الرب حتى تعلْمَنت، فما هي مصلحتها لإعادة الدين بالمطلق إلى المشهد السياسي وقد طلقته بالثلاث.
ويضيف الفيلسوف الفرنسى الشهير وصاحب نظرية العقد الاجتماعي جان جاك روسو الذي ساهم نظريته في تأسيس الاتحاد السويسري بعد قرون من الحروب الأهلية بين القبائل الأوروبية: «رسالة محمد قوية أعطته قوة راح ينشر بها الرسالة فوجدت صدى غير عادي، لذلك نجح محمد في رسالته واستطاع أن يقنع بنى قومه بأن خالقَ هذا الكون واحدٌ لا شريك له، ولو أن محمدا عاش مدة أطول مما عاش لأصبح الإسلام ورسوله سادة العالم».
لقد تأثر فولتير بكتاب «سيرة حياة محمد» لمؤلفه «هنرى دي بولونفيرس»، وفيه دفاع عن الرسول الكريم ورد على المطاعن والانتقاصات التي افتريت عليه، وبالتالى ألف فولتير كتابه «بحث في العادات» عام 1765 ومدح فيه الإسلام وأشاد بمحمد وبالقرآن. فالنبي الأميّ لم يغب يوماً عن نظر فلاسفة وعلماء الأرض منذ البعثة، لدى كافة الأديان، فهو المعجِز الأبدي لكل من لديه ذرة من الإنصاف أو أثارة من عَلْمٍ.