لعل أهم ما يميز إدارة دولة الإمارات لأزمة جائحة كورونا أنها تتسم بالتشاركية والتكامل، ليس فقط بين مؤسسات الدولة، وإنما بين أفراد المجتمع أيضاً، حيث يؤمن الجميع بقيم المسؤولية في التصدي لهذه الجائحة والعمل على تخفيف آثارها، فمنذ بداية هذه الجائحة والإدارة الحكومية تعمل باستمرار على تطوير جهودها الخاصة بإدارة هذه الأزمة، استناداً إلى تقييم فاعلية الإجراءات التي يتم اتخاذها في كل مرحلة ومدى تحقيقها للأهداف المتوخاة منها، والانطلاق منها إلى المرحلة التي تليها بخطوات مدروسة وواعية، وهذا ما يعزز الثقة من جانب أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، في الإدارة الحكومية لهذه الأزمة، ويجعلهم أكثر وعياً وإدراكاً بأهمية الالتزام بأية تعليمات أو إرشادات، لأنهم بالفعل شركاء فاعلين في إدارة هذه الجائحة.
قبل أيام أُعلنت «اللجنة العليا لإدارة أزمة كوفيد - 19»، عن تشكيل «اللجنة الوطنية لإدارة وحوكمة مرحلة التعافي من أزمة جائحة كوفيد-19»، برئاسة معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وهي لا شك خطوة مهمة تنجسم مع استراتيجية الإمارات لإدارة هذه الأزمة، والعمل على احتواء تداعياتها وتخفيف آثارها على أفراد المجتمع، إذ إن أهم ما يميز هذه اللجنة أنها تضم في عضويتها العديد من الوزارات والهيئات الاتحادية، لتعبر بذلك عن واحدة من أهم السمات التي تميز النهج الإماراتي في إدارة الأزمات، وهي العمل بشكل جماعي وبروح الفريق، حيث تتكامل كافة جهود المؤسسات والهيئات لتصب في اتجاه تطوير الإدارة الحكومية لأزمة جائحة كورونا، من خلال الاستفادة من القدرات والإمكانيات المتنوعة لهذه الوزارات والمؤسسات الحكومية والهيئات الاتحادية في مواجهة هذه الجائحة.
وإذا كانت الإدارة الفاعلة للأزمات تأخذ في الاعتبار كافة الاحتمالات والسيناريوهات المستقبلية من أجل وضع الخطط الكفيلة للتعامل معها بكفاءة، فإن هذا هو جوهر مهام اللجنة الجديدة، التي تأخذ على عاتقها تحديد طبيعة الإجراءات الاستباقية التي يتعين على مختلف المؤسسات اتخاذها للتعامل مع تطورات جائحة كورونا، وكذلك تحديد الأدوار والمسؤوليات المختلفة لهذه المؤسسات، وقياس أداء عمل الجهات المعنية بعودة الحياة إلى طبيعتها، وتحديد العوامل المالية والاقتصادية اللازمة لدعم مرحلة التعافي في مرحلة ما بعد كورونا، وذلك من أجل إعداد خطة استراتيجية متكاملة تشارك في تنفيذها مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات المعنية.
النجاح الكبير الذي حققته اللجنة العليا لإدارة أزمة كورونا في مواجهة هذه الجائحة لا يؤكد فقط سلامة تخطيطها الاستراتيجي بعيد المدى وتوقع الإجراءات الضرورية والمطلوبة في التعامل مع هذه الجائحة وفقاً لمتطلبات كل مرحلة، وإنما هو دليل أيضاً على قدرتها على الاستعداد لمرحلة التعافي من أزمة جائحة كورونا، فمن ضمن مهام اللجنة الوطنية الجديدة هي العمل على مواكبة الأولويات الوطنية، وبما يعزز من استدامة المجالات الحيوية مثل الغذاء والمياه والطاقة والصناعات الدوائية، فضلاً عن القطاعات الواعدة التي تحظى بفرص نمو مستقبلية كبيرة في مرحلة ما بعد «كوفيد-19»، والتي تشمل التكنولوجيا المتقدمة والممكّنة للتحول الرقمي، مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيل الخامس، والرعاية الصحية، والاتصالات، والبنية التحتية، وهذا إنما يشير بوضوح إلى أن الإمارات تستعد من الآن لمرحلة التعافي من أزمة جائحة كوورنا باستراتيجية واضحة المعالم، تنطلق من الاستفادة من المزايا النسبية التي تمتلكها كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات الوطنية، وتطوير منظومة العمل الحكومي المستقبلي، وبالشكل الذي يضمن استمرارية الأعمال والخدمات، وفقاً لأحدث المعايير العالمية المتعارف عليها.
ولعل من الأمور ذات الدلالة في هذا السياق أن الإمارات في إدارتها لأزمة جائحة كورونا واصلت بكل ثقة مشروعاتها الطموحة، كإطلاق مسبار الأمل في موعده في يوليو الماضي من قاعدة مركز «تانيغاشيما» الفضائي في اليابان، كما بدأت في شهر أغسطس الماضي في تشغيل وصيانة محطات براكة للطاقة النووية السلمية، لتؤكد أنها بالفعل دولة لا تعرف المستحيل، وقادرة على مواصلة مسيرة الإنجازات مهما كان حجم التحديات، حتى لو كانت من نوعية جائحة كورونا التي جعلت العالم يعيش حالة من الجمود والقلق، وأحدثت هزة غير مسبوقة للاقتصاد الدولي.