حسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الجدل الذي راحت تتصاعد لهجته في الآونة الأخيرة حول «حرية التعبير» و«خطاب الكراهية»، فلخّص اتصال سموه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرؤية الشاملة العميقة التي ينظر من خلالها شعب الإمارات والشعوب العربية والإسلامية لقنوات التواصل الحضاري والثقافي المستندة على الاحترام المتبادل بين الشعوب.

وإلى جانب حديث سموه عما تمثله القدسية العظيمة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين، ورفض ربط هذه المكانة العظيمة للنبي عليه الصلاة والسلام بأي من مظاهر العنف أو التسييس، أو جعلها أداة للتحريض على خطاب الكراهية الذي يسيء إلى العلاقة بين الشعوب ويؤذي مشاعر الملايين من الناس ويخدم أجندة أصحاب الفكر المتطرف، أدان سموه كافة أشكال الاعتداءات الإرهابية ورفض إيجاد أية مبررات أو ذرائع للإجرام والعنف والإرهاب، وحدد أن أي اعتداء إرهابي يتنافى مع تعاليم ومبادئ الأديان السماوية كافة التي تحض على السلام والتسامح والمحبة وتؤكد قدسية النفس البشرية.
لا شك أن رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الواضحة الحاسمة ليست تجاه دولة معينة أو قضية محددة، بل هي رسالة شاملة جاءت بناء على رؤية الإمارات التي شاهدها وشهدها العالم خلال العام 2020 بالحث على السلام والمحبة، وفتح الباب على مصراعيه لقيم التآخي والتسامح في العالم أجمع، سواء بين أبناء الرسالة الإبراهيمية الواحدة، أو لجميع الشعوب بمعتقداتها وأعراقها وألوانها وثقافاتها المختلفة.
التجربة الإماراتية التي تحدث عنها رجل السلام والتسامح، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ليست تجربة نظرية، بل تحكي عن واحدة من أعظم التجارب البشرية في بناء المجتمعات المتصالحة، التي تسود فيها لغة المحبة والتعايش السلمي واحترام الآخر. فحسب التقرير السنوي للمنظمة العالمية للسلم والرعاية والإغاثة التابعة للأمم المتحدة، للعام 2014، تقدمت الإمارات على كل دول العالم في مجال رعاية الأقليات المختلفة التي تعيش على أرضها، بمنحهم جميعاً كافة الحقوق والرعاية، ونشر ثقافات التعايش بين تلك الجنسيات على اختلاف أديانهم، ومن خلال سياسات التسامح والعدل والمساواة، التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة.
تُقدم الإمارات للعالم نموذجها التاريخي في «التسامح والسلام والمحبة»، آملا في أن تسود هذه الثقافة الفريدة، في كل المجتمعات سواء الشرقية أو الغربية، باعتبارها الضمان الوحيد القادر على محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، وتخليص الشعوب من خطاب الكراهية المتصاعد الذي يفوح من تلك المجتمعات ويحاصرها بأقصى درجات التهديد، التي قد تؤدي إلى خلخلتها ثم سقوطها في الحروب الشعبية.
بالطبع فإن وجود الحركات والجماعات الإرهابية المتطرفة يدفع نحو المزيد من خطاب الكراهية، فهذه الجماعات تجتذب أسوأ ما في الغرائز من خلال الخطاب العاطفي لتوجيه العقول الضالة، وليست مصادفة أن تستغل جماعة مثل «الإخوان المسلمين»، خطاب الرئيس الفرنسي حول «حرية التعبير»، لتأجيج خطاب الكراهية الذي يتنافى مع الرسالة المحمدية ذاتها، والتي تدعو بكل وضوح إلى «السلام والتسامح والمحبة واحترام الآخر».
ظاهرة خطاب الكراهية لا تقل بحال عن آفة العنصرية، بل هما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يؤديان إلى اتساع رقعة التعصب والنزاع بين أبناء المجتمع الواحد أو المجتمعات المتقاربة. وقد تابعنا ونتابع حالياً، ما يصدر عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خطاب كراهية وتحريض وتعصب تدعو للعنف سواء في ليبيا أو بين أذربيجان وأرمينيا أو تجاه الأكراد وأوروبا وغيرها، وهي مسألة تثير بالغ القلق، على المستوى الدولي، وستؤدي بلاشك- إذا لم يتم تداركها وعلاجها من قبل قادة المجتمع الدولي- إلى تهديد السلام في العالم والإضرار بالأبرياء والمدنيين.
يستند النموذج الإماراتي للمجتمعات المسالمة المتآخية، إلى الحكمة والاعتدال والتعاون البنّاء المثمر لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب، وبث روح التسامح وحب الخير للآخرين، وهي سمة مهمة في سمات الإمارات وقيمها الأصيلة، لذلك يتمتع النموذج الإماراتي بالشفافية التي لا تسمح بتمدد خطاب الكراهية واتساع دوائره المظلمة. ومع أن دولاً في الإقليم كتركيا وإيران وقطر، تستعر فيها خطب الكراهية، عبر القنوات الرسمية والإعلامية، بعقلية «نحن ضد الآخرين»، إلا أن قدرة النموذج الإماراتي الداعي للسلام والمحبة والتسامح، تؤهله لامتصاص تلك الكراهية بالحوار القائم على الاحترام المتبادل، ونبذ كل أشكال التفرقة والانقسام.