كثيراً ما يُطرح هذا السؤال: هل ابن رشد معتزلي أم أشعري؟ إن أشهر الفرق أربع: الأشعرية (الذين جعلوا أنفسهم جمهور أهل السنة)، والمعتزلة، والباطنية، والحشوية. كل منها اثنتان على التقابل: الأشاعرة والمعتزلة، والحشوية والباطنية. والمحك هو التأويل. ومن الواضح أن ابن رشد أقرب إلى الاعتزال منه إلى الأشعرية في اعتماده على الدليل العقلي، وقوله بالتأويل، وجعله النظر واجباً بالشرع، كما أنه عند المعتزلة أول الواجبات. والمعتزلة أدق قولا من الأشاعرة، والأشاعرة أقل تأويلا من المعتزلة. كما أن ابن رشد أميل إلى قول المعتزلة من أن الصفات عين الذات رغم غياب البرهان، وأبعد من قول الأشاعرة بأن الصفات زائدة على الذات خشية الوقوع في مقولة «الأقانيم الثلاثة».
ومن الواضح أيضاً أن نقد ابن رشد الصريح للأشعرية مبطن داخل الشروح والملخصات والجوامع أو صريح داخل المؤلفات الثلاثة. وقد استعمل ابن رشد هذه الطريقة تجنباً لسطوة الفقهاء وتستراً وراء أرسطو، واستخداماً للوافد من أجل نقد الموروث وتطوير الوافد كعلوم للوسائل، والموروث كعلوم للغايات.
وكثير من أقوال المعتزلة ما هي إلا رد فعل على الأشاعرة، مثل قولهم بالعدم ذاتاً في مقابل نفي الأشاعرة له. ولا يشير إلى المعتزلة كثيراً لأن كتبهم لم تصل إلى الأندلس، ولكن أغلب الظن أنه تأثر بأصحاب «الطبائع»، مثل معمر والنظام والجاحظ وثمامة وهشام.. وغيرهم، يقولون بالطفرة والكمون والتوليد، مقرنين الطبيعة بذاتها وليس بإرادة خارجة عليها.
ويرفض ابن رشد رأي الأشاعرة في الحسن والقبح، أي العدل والجور، وهو رأي يعتبره بعض الفقهاء غريباً على الشرع، فالعدل ما يرضاه الله، والجور ما لا يرضاه.. دون أن يصرح ابن رشد بإثبات الحسن والقبح العقليين، كما هو الحال عند المعتزلة، ودون أن يذكرهم. ويلجأ إلى الفطرة التي تؤيد وجود الحسن والقبح والعدل والجور. ولما كانت الفطرة من الله، أمكنت المصالحة بين الرأيين الخارجي والداخلي.
ويتهم ابن رشد الأشعرية بسوء استخدام العقل وضعف أدلتهم على وجود الله، لاسيما دليل الممكن والواجب، والقديم والحادث، والجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ.. فمقدماتها خطابية وليست برهانية، كمن يقول إن الفيل أعظم من النملة. وطرقها ليست نظرية يقينية بل على عكس الطرق الشرعية اليقينية.
والحقيقة أنه أيضاً أشعري لما كانت الأشعرية قابعة في لا وعي كل متكلم وفيلسوف، وكل أصولي ومتصوف مع اختلاف في الدرجة. فقد تحولت الأشعرية إلى ثقافة شعبية وأصبحت هي والدين شيئاً واحداً. كل متدين هو بالطبيعة أشعري، وكل ناقد للأشعرية هو بالضرورة ناقد للدين! ولم ينج من ذلك حتى كبار المعتزلة والفلاسفة، بمن فيهم ابن رشد وابن خلدون وتحليلاته التاريخية. ولم يفت من ذلك ربما إلا أصحاب الطبائع من المعتزلة الذين قالوا بالطفرة والكمون والتوليد.
دليل الوحدانية عند ابن رشد مستمد من نفس الآية «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا»، وهي الآية التي استمد منها الأشعري دليل التمانع أو الممانعة. إنما الخلاف بينهما أنه عند الأشعري دليل أو برهان وعند ابن رشد مغروز في الطبع. أي أنه خلاف في وجه الدلالة وليس في بنية الدليل.