على مدار القرن الماضي، شهدنا تاريخاً طويلاً للسياسات الداخلية التي استهدفت الأميركيين من أصل عربي. لقد تعرضنا لمعاملة تمييزية من سلطات إنفاذ القانون والهجرة ومن الإدارتين «الديمقراطية» و«الجمهورية». وبالإضافة إلى هذه السياسات، تجدر الإشارة إلى الدور الذي لعبته التضحية بالعرب في السياسة الأميركية. وفي كتاب «سياسات الإقصاء» الذي نشره المعهد العربي الأميركي عام 1990، رصدنا خبرات مؤلمة لمرشحين عرب أميركيين استهدفهم خصومهم بسبب أصلهم العربي أو حالات هاجم فيها مرشحون لمناصب محلية أو اتحادية خصومهم لقبولهم مساهمات من أميركيين عرب أو بسبب وجود أفراد من أصل عربي في فريق حملاتهم. ونتيجة لهذا أصبح بعض المرشحين يخشون قبول دعم الأميركيين العرب.
والأمثلة كثيرة. ففي عام 1983، واجه مرشح «ديمقراطي» لمنصب رئيس بلدية فلادليفيا هجوماً من خصمه «الجمهوري» لقبوله مساهمات من أميركيين عرب. وتمثل تصدي المرشح «الديمقراطي» للهجوم في رد التبرعات. وفي عام 1984، أعاد المرشح الرئاسي «والتر مونديال» الأموال للمتبرعين الأميركيين العرب. وفي عام 1988، رفضت الحملة الرئاسية لـ«مايكل دوكاكيس» دعم الأميركيين العرب. وفي السنوات التالية، طلب مرشح «جمهوري» لمقعد في مجلس الشيوخ من زعماء الأميركيين العرب ألا يتبرعوا لحملته كما فعل ذلك «ديمقراطي» ترشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك.
وكل هذه الأعمال كان الباعث عليها الخوف من إقصاء الناخبين اليهود ودعمها حملة شنها عدد من المنظمات منها «رابطة مناهضة التشويه»، ومنظمة أخرى نشرت «قوائم سوداء» تحذر من زعماء وجماعات من الأميركيين العرب يعتبرون «مناهضين لإسرائيل» ولذا يجب تجنبهم. وخلال العقدين التاليين وخاصة بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو، تقلص هذا الإقصاء نوعاً ما ليعود بقوة مثيرة للقلق أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2008. فقد عاد الإقصاء للظهور كمسعى استأثر بقيادته «الجمهوريون» وتحول إلى ظاهرة معاداة للمسلمين إلى حد كبير.
فقد أذكت سارة بالين المرشحة «الجمهورية» لمنصب نائب الرئيس نيران معاداة العرب والمسلمين في إطار معارضتها للمرشح «الديمقراطي» باراك أوباما.
وفي عام 2010 شهدنا مطاردة اختصت بالمسلمين واُستخدمت في حملة قومية لأول مرة. وهذه المطاردة شارك فيها نيوت جينجريتش رئيس مجلس النواب السابق الذي انضم إلى جدل محلي لمدينة نيويورك بشأن إقامة مركز إسلامي يبعد قليلاً عن منطقة «جراوند زيرو»، الموقع الذي شهد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. واستخدام جينجريتش لغة المتعصبين ضد المسلمين معلناً أن المسلمين يريدون إقامة «مسجد النصر» ليكون شاهداً على غزوهم أميركا. وفي انتخابات الكونجرس لذاك العام، أطلق 17 مرشحاً «جمهورياً» حملات تلفزيونية مشؤومة تتهم خصومهم «الديمقراطيين» بالتراخي في معارضة بناء «مسجد النصر». صحيح أن اثنين فقط من السبعة عشر مرشحاً فازوا بالسباق، لكن أثر حملتهم كان قد تحقق. فقد استغل «الجمهوريون» الخوف من الأجانب والتحيز لـ«أبناء البلاد الأصليين» لدعم «حزب الشاي» المناهض لأوباما وحركة التشكيك في مولده في أميركا. واستغلوا التعصب ضد المسلمين باعتباره فكرة محورية في منهجهم السياسي. وبحلول عام 2012، أثناء مناظرة في الحملة الانتخابية لاختيار المرشح الرئاسي عن الحزب «الجمهوري»، تعهد غالبية المتسابقين برفض ترشيح أميركي مسلم لمنصب في إداراتهم أو على الأقل أكدوا على التأكد من ولائه للولايات المتحدة قبل ترشيحه.
صحيح أن وجهة النظر هذه لم يشترك فيها الفائز بترشيح الحزب، «ميت رومني»، لكن مطاردة المسلمين ظلت تنمو وسط الحزب «الجمهوري» في 2016. وأثناء حملة ذاك العام، كان المسلمون من الأهداف المفضلة للحزب إلى جانب المكسيكيين واللاجئين والمهاجرين بصفة عامة. فقد تعهد المرشح «الجمهوري» بمنع قدوم المزيد من المسلمين إلى البلاد، ولذا لا غرابة في صدور أمر تنفيذي من إدارة ترامب يوقف ويقيد قدوم مهاجرين أو لاجئين من دول معظمها عربية وذات غالبية مسلمة، كما تم إلغاء تأشيرات ما بين 60 ألفاً و100 ألف شخص، وتم احتجازهم وأُرسل كثيرون منهم إلى بلادهم الأصلية.
وبعد أن حكم القضاء بعدم عدالة هذا الأمر التنفيذي للتمييز ضد المسلمين، أصدرت الإدارة الأميركية، رداً من خلال أوامر تنفيذية جديدة زادت من عدد الدول التي يغطيها الحظر. لكن القائمة ظلت تصب اهتمامها على الدول العربية وذات الغالبية المسلمة. ثم قلص ترامب عدد اللاجئين الذين تقبلهم الولايات المتحدة سنوياً من قمة بلغت 110 آلاف في حقبة أوباما إلى أقل من 20 ألفاً.
والواقع أن هناك عقوداً من مساعي الحزب «الجمهوري» لاستهداف العرب والمسلمين وفي فشل «الديمقراطيين» في المواجهة النشطة لهذه السياسات. وأحد الآثار الجانبية لهذا التاريخ تمثل في الدور الذي لعبه هذا التعصب في دعم جرائم الكراهية ضد جالياتنا. لقد تسمم البئر، وتطهيره لن يكون سهلاً. ولذا يتعين علينا وضع سياسة للهجرة على أساس سليم غير تمييزي. ويتعين تعزيز قبولنا للمهاجرين وطالبي اللجوء بشكل أوسع لتلبية الطلب العالمي المتزايد. ويتعين غلق الثغرات التي تجعل العرب والمسلمين حلاً مباحاً لانتهاكات مسؤولي الجمارك وحرس الحدود. ويتعين التصدي للخوف من الأجانب وللخطاب المناهض للعرب والمسلمين وإقامة علاقاتنا مع هذه الجاليات على أساس أنهم أميركيون وليسوا تهديداً أمنياً.
رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن