تحول «النزاع المجمد» بين أرمينيا وأذربيجان ليصبح ساخناً جداً. ما قد يبدو لكثير من الغربيين صداماً بسيطاً في زاوية نائية من العالم له في الواقع آثار كبيرة على الأمن الإقليمي وأسواق الطاقة.
ويتركز القتال، الذي يعود إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، حول جيب صغير من الأرمن العرقيين داخل أذربيجان يسمى ناجورنو كاراباخ. يبلغ عدد سكان الجمهورية الجبلية المعلنة ذاتياً (والتي لم يتم الاعتراف بها رسمياً من قبل راعيتها، أرمينيا) 150.000 نسمة، ولكنها ذات طابع عسكري للغاية. فقد الأذريون السيطرة على المنطقة في صراع في التسعينيات أودى بحياة 30 ألف شخص، ولم يتمكنوا من استعادتها من خلال الوسائل الدبلوماسية أو العسكرية.
خلال الفترة التي قضيتها في منظمة حلف شمال الأطلسي، زرت كلا البلدين مرات عدة. ورأيت كيف تتغلغل الكراهية وعدم الثقة في البيئة. كان وزيرا الدفاع في ذلك الوقت يكره بعضهما بعضاً، وعلى الرغم من أن كلا البلدين كان شريكاً غير عضو في «الناتو» (ولديهما وحدات صغيرة من القوات في أفغانستان)، فإن كل ما أراد أي منهما التحدث عنه هو ازدواجية الآخر. لسوء الحظ، كان كل منهما يوجه بدقة وجهة النظر الوطنية تجاه جاره في القوقاز. لا يبدو أن أياً من الجانبين يرغب في إعطاء شبر واحد، سواء بالمعنى الحرفي أو المجازي.
كان الاتحاد الروسي يزود كلا الجانبين بالأسلحة والتدريب، وكان للروس تأثير مهدئ إلى حد ما.
في هذا التصعيد الأخير، كالعادة، يزعم الطرفان أن الطرف الآخر هاجم أولاً، ووقع تبادل لإطلاق النار في يوليو مما أدى إلى مقتل حوالي 12 من الأذريين (معظمهم جنود)، وتقترب الخسائر الآن من 100 قتيل، وفي يوم الأحد الماضي، حشد كل جانب القوات وأعلن الأحكام العرفية. وفي يوم الثلاثاء الماضي، ذكرت أرمينيا أن إحدى طائراتها قد أسقطتها طائرة تركية من طراز «إف - 16»، وتنفي تركيا هذا الاتهام.
لا تبذل الأطراف الخارجية جهداً حقيقياً للتدخل والتفاوض على وقف إطلاق نار جديد، الأمر الذي ساعد في تهدئة الأمور في الماضي، على الأقل مؤقتاً. وأحدث الجهود تمت بوساطة من قبل ما يسمى بمجموعة «مينسك»، مع وجود فرنسا وروسيا والولايات المتحدة في المقدمة، لكنها انهارت في عام 2010.
الأمر الخطير بشكل خاص في هذا التصعيد الأخير، هو أن تركيا وروسيا تدعمان بقوة أطراف مختلفة. فالأتراك يكرهون الأرمن ويؤيدون أذربيجان. (في أرمينيا، تظل ذكريات المذابح التي ارتكبها الأتراك العثمانيون منذ أكثر من قرن عاملاً مهماً في التفكير القومي)، في حين أن روسيا لديها معاهدة دفاع رسمية وعلاقات عسكرية دافئة مع أرمينيا.
ضع في اعتبارك أن الدول الأخرى المجاورة للقتال هي جورجيا غير المستقرة على الدوام وإيران، وهي واحدة من ألد أعداء أميركا. وأن أذربيجان الغنية بالنفط -التي تمتلك 7 مليارات برميل من الاحتياطيات المؤكدة وكميات كبيرة من الغاز الطبيعي -لديها خطوط أنابيب معرضة للخطر، تمتد على مسافة 10 أميال من الحدود الأرمنية.
بينما كنت في المنطقة مرات عدة عندما كانت التوترات متصاعدة، أشعر هذه المرة باختلاف خطير. فواشنطن منشغلة تماماً بالانتخابات القادمة. تركيا وروسيا على طرفي نقيض (كما هو الحال في سوريا وليبيا أيضاً). والاتحاد الأوروبي مستغرق في مفاوضات «بريكست» النهائية والتوترات في شرق البحر المتوسط بين اليونان وتركيا. يقول حلف «الناتو»، الذي لا يزال لديه شراكات مع أرمينيا وأذربيجان، «يجب على كلا الجانبين أن يوقف القتال على الفور»، وأنه «لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع»، لكنه لا يقدم اقتراحاً ملموساً.
تبدو فرص التسوية السلمية قاتمة. يمكن لنسخة جديدة من مجموعة مينسك أن تبني الثقة للتوصل إلى اتفاق. كما أن بوتين مقرب من زعماء كلا البلدين، على الرغم من أن روسيا تميل بقوة إلى زملائها الأرثوذكس المسيحيين أرمينيا. ربما يمكن للولايات المتحدة وروسيا وتركيا، بالعمل معاً، إقناع الجانبين بالابتعاد عن المسار الكارثي الذي يتجهان إليه.
قد يبدأ النهج بعودة رمزية للأرض إلى الأذريين، والتزام كلا البلدين بالتخلي عن استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات (مثلما فعلت الصين والهند بعد صراعهما الصغير الأخير على «خط السيطرة» في جبال الهيمالايا)، ونهج تدريجي بشأن فتح الحدود الجديدة. ولكن في الحقيقة، لا شيء من هذا يبدو واعداً.
يتتبع كتاب «الحديقة السوداء»، وهو كتاب رائع من تأليف «توماس دي وال»، جذور الصراع. ويقول في الصفحات الختامية: «إن أي حل عادل لنزاع [ناجورنو كاراباخ] ستترتب عليه تنازلات مؤلمة من كلا الجانبين، وسيتعين عليه أن يوازن بشكل جذري بين المبادئ المتعارضة». في الوقت الحالي، تبدو مثل هذه التنازلات أقل احتمالاً بكثير من حرب صغيرة ذات عواقب كبيرة محتملة.
*أميرال متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد أعلى سابق لحلف «الناتو»، وعميد فخري لكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»