اكتسب نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها، قوته الدافعة من حكمة القيادة الرشيدة وبصيرتها وعزيمتها التي صنعت معجزة سياسية واقتصادية وتنموية بكل المقاييس، على النحو الذي جعل من فكرة «القيادة» مفهوماً حاضراً في الاستراتيجيات والخطط التي ترسم مستقبل الدولة، وقاد إلى بذل جهود مُنظمة في مجال بناء القيادات من أبناء الدولة من مختلف المستويات، وبالتعاون مع مؤسسات عالمية مرموقة، ليكون كل منهم قوة دافعة نحو النجاح والتطور في موقعه، وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، عن الدور المحوري لأصحاب المهارات القيادية وأهمية إعدادهم، بقوله في كتابه «قصتي»: «أهم صفات الحاكم الناجح أن يحيط نفسه بقادة أقوياء، ونحن نبحث عنهم دائماً، ولكن عندما لا نجدهم نصنع نحن القادة.. ومسؤوليتنا أن نصنع قادة، نعطيهم المسؤولية، ونشجّعهم حتى يصبحوا قادةً حقيقيين.. صناعة القادة هي صناعة التنمية».
وفي هذا الإطار، جاء إعلان فتح باب التسجيل للدفعة الرابعة من «برنامج القيادات المؤثرة»، الذي يسعى إلى أن يقدم لمنظومة العمل الحكومي في كل دورة من دوراته 30 كادراً مؤهلاً من قيادات الصف الثاني، من خلال إكسابهم مهارات قيادية عبر تدريب يستمر عاماً كاملاً، ويعمل البرنامج على تطوير ثماني مهارات رئيسية، هي: الاستشراف الاستراتيجي، والمواطنة العالمية، والتفكير الريادي، والشغف والالتزام، وخلق القيمة، والتنوع والإشراك، والاهتمام بالإنسان أولاً، والفضول والمرونة، وتضمن عملية الفرز الدقيقة والتنافس المفتوح بين المتقدمين، أن يلتحق بالبرنامج أولئك الذين يمتلكون من السمات الشخصية والخبرة المهنية والاستعداد النفسي ما يؤهلهم لتحقيق أقصى استفادة منه، ومن ثم ينخرطون في تجربة تعليمية وتدريبية مكثَّفة تقدِّم لهم خلاصات نظرية ومشروعات عملية واطلاعاً على تجارب رائدة للقيادة الإدارية المبدعة عبر العالم.
وقد وصف أحد خريجي الدورة السابقة البرنامج بأنه «فتح آفاقاً واسعة لجميع منتسبيه، فمن خلال تنوع مواد النقاش والكم الكبير من المعرفة والخبرة للمنتسبين أصبحت الحلقات النقاشية توازي فرصاً تعليمية لسنوات»، وقال خريج ثان في الدورة نفسها: إن برنامج القيادات المؤثرة «تخطى التعليم المتداول في الجامعات ليرتقي إلى مدرسة للحياة والتعامل مع متغيراتها، بما يضمن الاستمرارية في التفوق والنجاح»، ويُنجز المتدربون خلال الدورة التدريبية مشروعات تتعلق بمجالات عملهم ومواقعهم الإدارية، يطبِّقون فيها ما اكتسبوه من قدرات ومهارات خلال البرنامج التدريبي، على النحو الذي يتيح لهم ولإدارة البرنامج قياس مدى استفادتهم منه.
وقد حظي قياس مخرجات البرنامج وتقييم فاعليتها واستدامتها باهتمام الجهات المسؤولة عن البرنامج، حيث خلُصت دراسة أُعدت لهذا الغرض إلى ضرورة تقييم هذا البرنامج وغيره من برامج تأهيل القادة من خلال ثلاثة مستويات أساسية: أولها، مستوى الأفراد المشاركين، والمستوى الثاني، هو مستوى المؤسسات المشاركة، والمستوى الثالث، يتعلق بمستوى تكاملية المنظومة الحكومية، ولكل من المستويات الثلاثة مؤشراته العلمية التي يقاس من خلالها، كما يكتسب البرنامج قوة إضافية من الشراكة التي عقدها مع مؤسسات عالمية، مثل «يو سي بيركلي» في الولايات المتحدة الأميركية، وكلية «إمبريال كوليدج لندن»، لمواكبة أحدث التطورات العالمية، فيما يتيح الجانب العملي من البرنامج للمتدربين فرصة اختبار هذه الأفكار وتطويرها لتلائم الواقع المحلي بما ينطوي عليه من خصوصية.
لقد تعاملت الدولة وقيادتها الرشيدة مع موضوع «صناعة القادة» من زاويته الصحيحة، وهي أنه علمٌ له قواعده وأركانه وأسسه وتجاربه، وعلى الرغم من أن «صناعة القادة» في الدولة بدأت في فترة التأسيس، فإن إنشاء «مركز محمد بن راشد لإعداد القادة»، الذي يحتضن «برنامج القيادات المؤثرة»، كان خطوة فارقة حققت الكثير من الإنجازات، ولعل هذا الاهتمام بصناعة القادة يمثل أحد الأسباب التي تقف وراء نجاح دولة الإمارات، في أن تصبح نموذجاً لتطوير العمل الحكومي، والوصول به إلى أقصى مستويات النجاح.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية