فقدت دولة الكويت الشقيقة خامس حكامها بعد الاستقلال، وهو الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله تعالى، عن عمر يصل التسعين عاماً، أمضى منها 70 عاماً في مزاولة العمل الحكومي وممارسة السلطة في بلاده.
وقد ظلت دولة الكويت تلعب دوراً مهماً وبارزاً ومحورياً، على المستويين الإقليمي والدولي، لموقعها الاستراتيجي على ضفاف الخليج العربي، بين البحر والصحراء، حيث نهضت ككيان عربي وخليجي منذ بداية الستينيات الميلادية، بدعم من الأمم المتحدة والدول الكبرى المتنفذة في حينه، وظلت تزن مواقفها بحكمة وحنكة حافظت من خلالهما على كينونتها، رغم وجودها بين دول إقليمية كبرى (السعودية والعراق وإيران). ورغم مساحتها البالغة 17800 كم مربع، فقد كان دورها السياسي والثقافي أكبر وأبرز وأكثر أهمية.
وفي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات كانت مدينة الكويت مقصداً لأهل البادية الرحل القادمين من صحراء البلاد وأطرافها، حيث تجمعوا واستقروا من أجل العيش والتجارة، وذلك نظراً لتطورها وتقدمها مبكراً على مثيلاتها بالمنطقة آنذاك، أي في بداية عصر اكتشاف النفط، حيث كانت الكويت مصدر إلهام كما كانت بيئة جاذبة وخصبة للعمل، وقد استوعبت واحتوت أهل البادية والصحراء الذين انضم كثير منهم إلى الجيش والشرطة وقوى الأمن فيها، مع بداية تكوين جيشها وتأسيس شرطتها. كما توافد عليها أهل الحضر للصيد في البحر، ومنهم مَن تحول للعمل بالتجارة فيها نظراً لتلامسها مع الدول الثلاث سالفة الذكر.
وبسبب موقعها الحساس والمتميز، تعرضت الكويت لهزات وتحديات، إلا أنها رسَخت وثبتت وصمدت أمام كل التيارات والاتجاهات والأطماع الإقليمية، ووقفت أمام الأقطاب المتصارعة والمتناحرة من حولها، رغم تهديد وجودها وتعرضها للغزو العسكري، بحجج وذرائع ينسبها أصحابها إلى التاريخ، وهي مجرد ادعاءات واختلاقات ليس لها أي أساس من التاريخ.
وكان شعب الكويت وما يزال دائم الالتفاف حول قيادته، بقوة وصلابة ووفاء وإخلاص، لاسيما في أوقات الشدائد والمحن والأزمات، مما جعل حكامها يمنحون شعبهم أثمن هدية ألا وهي «دستور الكويت» نفسه، الذي حفظ لهم أمنهم واستقرارهم وحاضرهم ومستقبلهم، وجعل الدول الكبرى تدعم هذه الرغبة وتشجعها لتكون الكويت نموذجاً مبكراً في المنطقة.. وقد احترم العالم هذا الخيار وهذه الإرادة منذ عقود من الزمن.
ولا شك أن ذلك مما جعل الحكم والسلطة ينتقلا بسلاسة ومرونة كبيرين في الكويت، وبارتياح تام أيضاً من جانب الأسرة الحاكمة والشعب الكويتي ككل. وهو إنجاز وطني تاريخي ظل شعب الكويت يفاخر به، وحُق لهم ذلك، إذ أنه حفظ لهم دولتَهم وكيانَهم من كل التهديدات والأطماع المتربصة، وأصبحت الكويت دولة قانون ومؤسسات.
نسأل الله الرحمة والمغفرة لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، وندعو بالتوفيق والسداد لأميرها الجديد الشيخ نواف الأحمد الصباح الذي تولى الحكم في مرحلة صعبة وحرجة وحساسة من تاريخ المنطقة والعالم، خاصة في هذا العام الذي جلب لنا في طياته جائحة كورونا وما خلّفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية مؤلمة في معظم أنحاء العالم.
*كاتب سعودي