أمرت وزارة العدل الأميركية منذ أيام، إحدى وسائل الإعلام التابعة لمؤسسة الجزيرة القطرية والمسماة (+AJ)، بالبدء فوراً في إجراءات تسجيلها كوسيلة إعلام ممولة من الحكومة القطرية لتعمل تحت طائلة قانون «فارا» المنظِّم لعمل المؤسسات المرتبطة بحكومات دول أخرى على الأراضي الأميركية.
وشكّلت الخطوة الأميركية صدمةً للدوحة، نظراً لعدة عوامل ظهرت في بيان شبكة الجزيرة، الذي أشار إلى أن هذا القرار تشوبُه دواعٍ أمنية تجعله مختلفاً عن أية حالات أخرى تم فيها تسجيل مؤسسات أجنبية عاملة على الأراضي الأميركية وفق قانون «فارا». ففي حالة (+AJ) تم التواصل مع شبكة الجزيرة من جانب رئيس وحدة مكافحة التجسس في الوزارة، وهو أحد المسؤولين المختصين بشؤون الأمن القومي في الوزارة، وهو ما رأته الشبكة في بيانها أمراً غير عادي، وقد حاول البيان تسييس المسألة بزج اسم الإمارات، مدعياً أنها شريك أساسي في هذا القرار الصادر عن وزارة العدل الأميركية، لأنه تم في اليوم الذي سبق توقيع الإمارات معاهدة السلام مع إسرائيل!
لكن مما يدحض ذلك الادعاء أن برقيات ويكيلكس الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية، والتي يرجع تاريخها إلى عام 2009، تضمنت توصل الأميركيين إلى نتيجة واضحة، مفادها أن قناة الجزيرة تمثل أداةً لنشر التأثير القطري خارجياً، وأنها معبِّرة عن السياسة الخارجية لدولة قطر.
وإلى هذا، فقد نفى سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، في رسالة إلكترونية أرسلها إلى جريدة «نيويورك تايمز»، أيةَ علاقة للدولة بهذا الملف، وقال: «هم ليسوا مهمين لهذه الدرجة كما يعتقدون، فنحن لم نثر أية موضوعات لها علاقة بقطر أو الجزيرة».
وقد فوجئ طاقم السفارة القطرية في واشنطن بالقرار، الذي جاء في اليوم نفسه الذي يجتمع فيه وزير خارجية قطر ونائب رئيس مجلس وزرائها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع كبار مسؤولي إدارة ترامب.
ومما يفنّد ادعاءات بيان شبكة الجزيرة الذي زج باسم دولة الإمارات في موضوعها، ما هو معلوم عن الرسالة المكوّنة من 5 صفحات، والتي وقّعها في عام 2017 ثمانيةٌ من النواب البارزين في الحزب الجمهوري الحاكم، وقد وجّهوها إلى وزير العدل الأميركي، وليام بار، مطالبين بإدراج قناة «الجزيرة» القطرية كوكيل أجنبي، بموجب قانون «فارا» لحماية المصالح الوطنية للولايات المتحدة من نفوذ الدول الأجنبية، وذلك باعتبار أن أنشطتها تتماشى بشكل وثيق مع أولويات الحكومة القطرية، ومن ثم تنطبق عليها ذات الشروط التي دفعت وزارة العدل الأميركية لتسجيل قناة TRT التركية كوكيل لدولة أجنبية.
وقال أعضاء الكونجرس: إنّ القناة القطرية «تدّعي أنها تعزز الديمقراطية وحرية التعبير، لكنّ الشبكة نادراً ما تقوم بتغطية عن قطر نفسها، وإنها تخالف قوانين الولايات المتحدة، وتقوم بالترويج للنظام الإيراني والمنظمات الإرهابية».
ويضاف إلى ذلك حقيقة، أن منصة (+AJ) تنشر بشكل دائم مقالات ومواد صحفية تدعو جمهورها للتساؤل حول عدة قضايا جدلية تمس الداخل الأميركي ونظرته للقضايا الدولية، مثل طرحها تساؤلات حول مدى صحة مصطلح الإرهاب الإسلامي، وكذا محاولتها الترويج لوجهات نظر إيجابية حيال إيران، وتغطيات منحازة للحوثيين وإيران في النزاع الدائر في اليمن، ورفع الصوت القطري المنتقد للسعودية حيال عدة قضايا، من بينها المقاطعة التي يفرضها الرباعي العربي على الدوحة.
وإذا ما تم تسجيل شبكة الجزيرة وفق قانون «فارا»، فلن تستطيع التدليس والفبركة وتزييف الحقائق للتأثير في توجهات الجمهور الأميركي أو للتأثير في صانع القرار الأميركي نفسه، وتحسين صورة إيران و«الإخوان» وباقي جماعات الإسلام السياسي والمعارضات المزيفة التي اعتادت تصويرها كضحية للعواصم التي تختلف معها الدوحة. وبموجب هذا القانون تستطيع الأطراف أو الدول، التي تضررت من شبكة الجزيرة رفع شكوى ضدها في المحاكم الأميركية أو اتحاد الصحفيين الدولي، ولو بأثر رجعي.
إن ما تقوم به قطر لن يفيدها بل يلحق بها أكبر الضرر، «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً»!