ينطلق اليوم، الاثنين، القمر الصناعي الإماراتي «مزن سات» في طريقه إلى الفضاء، وذلك في إطار نهضة كبيرة يشهدها قطاع الفضاء في الدولة، في ظل توجيهات كريمة ومتابعة حثيثة واهتمام متواصل من جانب القيادة الرشيدة. وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن ذلك الاهتمام في تغريدات على موقع «تويتر»، أول من أمس السبت، قال فيها: «استعرضتُ خطة مركز محمد بن راشد للفضاء، خلال العشرة أعوام القادمة.. لدينا مهمات جديدة للفضاء، سنعلن عنها قريباً.. وبرامج لتطوير أقمار صناعية تخصّصية جديدة.. ومركز محاكاة للفضاء الخارجي، سيتم بناؤه للتدريب.. وبرامج أكاديمية وتعليمية مع الجامعات، لبناء ثقافة علمية وتقنية جديدة».
وبالنظر إلى هذا الاهتمام، فإن قطاع الفضاء في دولة الإمارات مرشَّح بقوة للتوسع وزيادة حجم استثماراته، التي تصل الآن إلى نحو 22 مليار درهم، الأمر الذي يجعل الإمارات هي الدولة الأكبر على مستوى المنطقة، من حيث الاستثمارات وحجم المشاريع، فضلاً عن عدد الشركات التي تعمل في هذا القطاع.
وينتمي «مزن سات» إلى عائلة الأقمار الصناعية النانومترية، وهي أقمار متناهية الصغر لا يزيد حجمها على بضعة كيلوجرامات. وكان قرار الاتجاه إلى تصنيع الأقمار النانوية في دولة الإمارات متناغماً مع المستجدات العالمية في مجال الفضاء خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2016، قال ديفيد بيرس، المدير التنفيذي لبرنامج الأبحاث دون المدارية، في وكالة الفضاء الأميركية ناسا، إن الأقمار النانوية جزء من تكنولوجيا صاعدة ستغير أسلوب استكشاف الفضاء، إذ تمكن الجيل القادم من المهندسين والعلماء من إكمال جميع مراحل المهمة الفضائية خلال دراستهم. وقد استُخدمت تقليدياً بوصفها أدوات تعليمية، لكن بإمكانها اليوم المساعدة على إجراء بحوث مهمة في علوم الفضاء.
وبعد عام واحد من حديث ديفيد بيرس، كانت دولة الإمارات تطلق قمرها الصناعي النانوي الأول «نايف 1»، حيث اتخذ طريقه نحو الفضاء في 15 فبراير 2017. وكانت تجربة «نايف 1» تطوراً مهماً، ذا أهداف تعليمية أساساً، حيث شارك طلاب جامعيون إماراتيون، من طلبة السنة النهائية في تخصّصات الهندسة الإلكترونية والميكانيكية وهندسة الحواسيب، في إنجاز جميع مراحل المشروع. وفي 18 نوفمبر 2018 أُطلق القمر الصناعي النانوي «ماي سات» ضمن «مختبر الياه سات للفضاء»، الذي صنعه طلبة جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، بمشاركة شركة «نورثروب غرومان»، من أجل استخدامه في أغراض البحث ومراقبة الأرض.
ويمثل «مزن سات» خطوة إلى الأمام في مجال الأقمار الصناعية النانوية، إذ شارك في تطويره طلبة من جامعتَي خليفة للعلوم والتكنولوجيا، والجامعة الأميركية في رأس الخيمة، في مشروع مشترك مع وكالة الإمارات للفضاء وشركة «الياه سات»، لكنه مخصّص لأداء مهمة علمية أكبر، تتمثل في «قياس كمية غازَي الميثان وثاني أكسيد الكربون وتوزعهما في الغلاف الجوي، باستخدام كاشف بالأشعة تحت الحمراء ذات الموجات القصيرة»، على أن يتولى فريق العمل من طلبة الجامعتَين «رصد ومعالجة وتحليل البيانات التي يرسلها إلى المحطة الأرضية لإجراء دراسات عن ظاهرة المد الأحمر على سواحل الدولة».
إن تجربة «مزن سات»، ومن قبلها تجربتا «نايف 1» و«ماي سات»، تعرض، كذلك، نموذجاً للمسار الذي تنتهجه دولة الإمارات في تحويل الجامعات والكليات ذات التخصّصات التطبيقية إلى منصات للتطوير والبحث العلمي، وإقامة الروابط والصلات العلمية والمشروعات المشتركة بينها وبين الشركات والمؤسّسات الوطنية ذات الصلة بنشاطها، وهو ما يمكن أن يمتد بسهولة بعد ذلك إلى النظام التعليمي بكامله في الدولة. كما يشير ذلك إلى مرحلة جديدة من الاستثمار في الكفاءات الوطنية، والإعداد المتميز لكوادر بشرية إماراتية مسلحة بأعلى الخبرات والمهارات في مجالات علمية دقيقة، تقود قاطرة التنمية في الدولة والعالم.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية