استرعى انتباهي قبل أيام، نبأ تدشين حكومة أبوظبي مشاريع استراتيجية في 23 مجالاً استثمارياً صناعياً، يتم التركيز عليها في مجال الصناعات الدوائية والصحية، تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الصحي بإمارة أبوظبي، وتشمل تلك المجالات 9 مجالات استثمارية ضمن قطاع الصناعات الدوائية، بما في ذلك 6 صناعات قائمة و3 مجالات صناعية جديدة، و5 مجالات استثمارية ضمن قطاع المستلزمات ومعدات الحماية الطبية، وتشمل 3 مجالات صناعية جديدة و2 من الصناعات القائمة، فضلاً عن تحديد 9 مجالات استثمارية ضمن قطاع الأجهزة والمعدات الطبية، وتضم 8 مجالات صناعية جديدة، ومجالا واحداً ضمن الصناعات القائمة.
والأمر اللافت للانتباه هنا هو استمرار التركيز على تحقيق هدف استراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ألا وهو «تنويع القاعدة الاقتصادية»، وذلك على مستوى الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، ويقوم ذلك الهدف على ضرورة تقليل الاعتماد على الصناعات النفطية والقطاعات الاقتصادية المرتبطة بها، وتوسيع قاعدة الاعتماد على صناعات أخرى غير نفطية من أجل تنويع مصادر الدخل القومي، ومعلوم أنه في الماضي، وقبل حقبة النفط، قام اقتصاد المنطقة بشكل كبير على الزراعة في الواحات والصيد وتجارة التمور واللؤلؤ، لكن بعد اكتشاف النفط، حدث تغيير جذري في هيكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتركزت القطاعات الاقتصادية بشكل أساسي على صناعات النفط والغاز، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، طبّقت الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في دولة الإمارات نهجاً تنامى بخطوات متسارعة يقوم على تطبيق استراتيجيات اقتصادية مُحفِّزة على التنويع الاقتصادي، والتي حققت نجاحاً في زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد الوطني مثل قطاعات: الصناعات التحويلية والطيران والسياحة والمصارف والتجارة والعقارات والخدمات والطاقة البديلة والصناعات الدوائية وغيرها.
وحسب التقارير الرسمية، فقد بلغ مساهمة الصناعات النفطية في الفترة الأخيرة حوالي 30 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بـ79 بالمئة عام 1980، وتسير حكومة الإمارات في خطوات ثابتة لزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد الوطني لتصل إلى 80% عام 2021، ويأتي هذا كله في إطار جهود الانتقال نحو اقتصاد قائم على المعرفة عبر تشجيع الابتكار، ومما لا شك فيه أن تنويع القاعدة الاقتصادية، يعود بالعديد من الفوائد الاستراتيجية على دولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من الجوانب.
ومن أبرز تلك الفوائد، تقليل الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي وهو النفط والغاز، واستثمار عوائد ذلك القطاع لتطوير مشاريع استراتيجية في قطاعات اقتصادية مختلفة، بجانب حماية الاقتصاد الوطني من تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، وذلك بالاعتماد على دخل بقية القطاعات غير النفطية، أضف إلى ذلك توفير العشرات من فرص العمل للعناصر البشرية الوطنية في القطاعات الاقتصادية التي يتم تأسيسها بجانب القطاع النفطي، ونقل المعرفة إلى العنصر المواطن في قطاعات اقتصادية استراتيجية، إضافة إلى دعم مكانة الدولة في تقارير التنافسية العالمية السنوية، والتي تقوم برصد وتحليل أداء مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية وتصنيف الدولة عالمياً بناء على ذلك، كما أنه من أبرز الفوائد الاستراتيجية لتنويع القاعدة الاقتصادية، ما شهدناه من متانة اقتصاد الإمارات ومرونته الكبيرة أثناء انتشار جائحة كورونا، التي تسببت بأضرار اقتصادية بليغة في العديد من الدول في الوقت الذي واجه اقتصاد الإمارات مخاطر الفيروس بتميز كبير نتيجة التنوع في القاعدة الاقتصادية، وعدم الاعتماد على قطاع بعينه، الأمر الذي ساهم بقوة في تقليل فترة التعافي من أزمة كورونا، وذلك من أبرز الأدلة على نجاح الدولة في سياسة تنويع القاعدة الاقتصادية.