وفاة قاضية المحكمة العليا «روث بادر جينسبرغ» في الثامن عشر من سبتمبر غيّر ديناميات الانتخابات الرئاسية الأميركية التي من المقرر أن تجرى في الثالث من نوفمبر المقبل. ذلك أن جينسبرغ كانت عضواً ليبرالياً قوياً في المحكمة، وكانت تحظى بشعبية واسعة بين الكثير من الأميركيين، وخاصة النساء اللاتي كن يعتبرنها رائدة حقوق النساء ونجمة حقيقية. كما كان لديها الكثير من المعجبين بين المحافظين مثل قاضي المحكمة العليا السابق أنتونن سكاليا. والرئيس ترامب أعلن أنه سيقوم قريبا بترشيح قاض جديد خلفا لجينسبرغ، بينما أعلن «ميتش ماكونل» رئيس مجلس الشيوخ اعتزامه عقد جلسات وتصويت على المرشح بنهاية العام، إن لم يكن قبله.
قرار الإدارة الحالية التعجل والمضي قدما في إجراءات ترشيح خلف لغينسبرغ أثار حفيظة «الديمقراطيين»، الذين يخشون اختلال توازن المحكمة بما يصبّ في مصلحة المحافظين لفترة جيل على الأقل. ذلك أن قضاة المحكمة العليا يشغلون وظائفهم مدى الحياة، وإذا كان القاضي الجديد في الخمسين من عمره مثلا، فإن ذلك عادة ما يعني ثلاثين عاما على الأقل في المحكمة.
«الديمقراطيون» يشعرون بالعجز ولا يستطيعون منع التصويت في مجلس الشيوخ نظراً لأنهم يمثّلون الأقلية في المجلس، ولأن «جمهورييْن» اثنين فقط أعلنا اعتزامهما إرجاء التصويت إلى ما بعد الانتخابات. ولهذا من المرجح أن تصبح لدى ترامب أغلبية محافظة في المحكمة بحلول الثالث من نوفمبر. والحال أنه إذا كانت الانتخابات متقاربة وكانت هناك معارك قضائية حتمية وغير حاسمة حول النتائج، فإنه قد يُلجأ إلى المحكمة العليا من أجل حل النزاع. وهذا ما حدث في عام 2000 عندما منحت المحكمةُ جورج دبليو. بوش الانتخابات، بأغلبية 5 أصوات مقابل أربعة. آنذاك قبل المرشح «الديمقراطي» آل غور قرار المحكمة، على غرار الحزب «الديمقراطي»، وإنْ كان قد اعتبره حكما ًتعسفياً وغير عادل.
غير أن هذا لن يحصل في 2020 في حال حدوث سيناريو مماثل. فـ«الديمقراطيون» جد مستائين من ترامب و«الجمهوريين» في الكونجرس لدرجة أنهم سيقاومون أي قرار يبدو أنه يحابي أو يميل إلى ترامب في سباق متقارب.
لكل هذه الأسباب يناشد «الديمقراطيون» أنصارهم التعبئة مشدِّدين على ضرورة تنظيم حملة ضخمة من أجل رفع نسبة التصويت في الانتخابات خلال الأسابيع الأخيرة قبل الاستحقاق الانتخابي. النتيجة التي يمكن أن تغني عن الحاجة إلى دعاوى قضائية واحتجاجات الشارع وتدخّل المحكمة العليا هي فوز كبير لجو بايدن، فوز يكون جد حاسم لدرجة تجعل حتى ترامب مضطرا للاعتراف بالهزيمة. ولكن ما هي احتمالات مثل هذه «الموجة الزرقاء» العارمة لصالح «الديمقراطيين»؟ استطلاعات الرأي الحالية ما زالت تمنح بايدن الأفضلية في كل من الاقتراع الوطني وفي أربعة على الأقل من الولايات التي ستشكّل ساحات معارك مهمة. وفضلا عن ذلك، فإن معدل شعبية ترامب ما زال في حدود 40 في المئة، وهو معدل ضعيف بالنسبة لرئيس منتهية ولايته يسعى لإعادة الانتخاب. غير أن أشياء كثيرة يمكن أن تحدث خلال الستة أسابيع الأخيرة. ذلك أن هناك ثلاث مناظرات وطنية من المقرر عقدها بين ترامب وبايدن اعتباراً من التاسع والعشرين من سبتمبر. كما من المقرر أن يجري نائب الرئيس مايك بنس والسيناتورة كمالا هاريس مناظرة في السابع من أكتوبر. ومعلوم أن المناظرات يمكن أن تؤثّر على الناخبين في حال ارتكب أحد المرشحين خطأ فادحاً أو قدّم أداء جيداً وقدرة كبيرة على الإقناع.
غير أن البلد جد منقسم على نفسه لدرجة أن معظم الناس حسموا اختياراتهم، وبعضهم قام بالتصويت منذ مدة. فهذا العام، وبسبب كوفيد 19، من المرتقب أن تصوّت ملايين أخرى من الأميركيين مبكرا أو عبر البريد؛ وهذا يعني أن مفاجآت أو أزمات اللحظة الأخيرة قد لا تكون مهمة مثل كان عليه الأمر في الماضي. وفي الأثناء، يأمل «الجمهوريون» أن يساعد تعيينُ قاض جديد في المحكمة العليا ترامب والسيناتورات الذي سيكونون في وضع هش في انتخابات الثالث من نوفمبر. وبالمقابل، يعتزم «الديمقراطيون» التركيز على الوباء وعلى حقيقة أن ما يربو عن 200 ألف أميركي قتلهم الفيروس، ويعتقدون أن سوء إدارة ترامب لهذه الأزمة الصحية سيساعد «جو بايدن».