من المحتمل أن يسجل الشتاء المقبل رقماً قياسياً في عدد الوفيات في الولايات المتحدة، خاصة إذا مثلت الإنفلونزا الموسمية عبئا استثنائيا على المرضى وعلى نظام رعاية صحية منهك أصلاً بسبب جائحة كوفيد-19. والتقارير عن معدلات الإنفلونزا المنخفضة في أنحاء أخرى من العالم بفضل ممارسات التباعد الجسدي كوسيلة للوقاية من فيروس كورونا توحي بأننا قد نواجه موسما معتدلا في الإنفلونزا أيضاً، إذا اتخذنا الخطوات الملائمة هذا الشتاء.
ومع الأخذ في الاعتبار أن التعليم داخل المؤسسات التعليمية من المرجح أن يُستأنف في بعض المدارس خريف هذا العام، فإننا نحث المسؤولين على السماح بإعطاء لقاح الإنفلونزا للتلاميذ والعاملين مثل اللقاحات الأخرى الكثيرة الإلزامية بالفعل لحضور المدارس. ومثل هذا الإجراء لن يحمي الجماعات السكانية فحسب من الإنفلونزا، بل سيساعد المستشفيات على الحفاظ على قدرتها في معالجة كوفيد-19.
وكي ندرك العبء المحتمل للإنفلونزا الموسمية على النظام الصحي، علينا أن ننظر إلى تقديرات المراكز الأميركية للتحكم في الأمراض والوقاية منها لما حدث في موسم الإنفلونزا السابق. فقد ذكرت المراكز أن الإنفلونزا تسببت في مرض ما بين 39 و56 مليون شخص وأدت إلى ما بين 18 و26 مليون زيارة للأطباء وما بين 410 و740 ألف حالة دخول إلى المستشفى، ووفاة ما بين 24 و62 ألف شخص من بينهم 186 طفلا. والجدير بالذكر أن حالات الإنفلونزا تباطأت حين بدأ فيروس كورونا يتصاعد في كثير من المدن الأميركية هذا العام، بل قد ينتهي موسم الإنفلونزا قبل أوانه المعتاد بسبب التباعد الجسدي. ورغم أن وفيات الإنفلونزا في الموسم السابق كانت أقل من العدد الذي زاد على 150 ألف وفاة تسبب فيها كوفيد-19، فإن احتمال حدوث معدلات إصابة مرتفعة أثناء الجائحة مثير للقلق للغاية.
ففي فصول الشتاء الاعتيادية، تواجه المستشفيات ووحدات الرعاية المركزة ضغوطا أكبر مع تعرض كبار السن وأصحاب الأحوال الصحية الهشة للمرض بالإنفلونزا وفيروسات التنفس الأخرى. وترى كاثرين هيبيرت، مديرة وحدة الرعاية المركزة بمستشفى «ماساشوستس العام» في مدينة بوسطن أنه من «المهم تذكر أن المستشفيات ووحدات الرعاية المركزة كانت شبه كاملة العدد قبل حدوث جائحة فيروس كورونا. واحتمال الجمع بين موسم للإنفلونزا مع حالات كوفيد-19 الحالية يثير قلقنا منذ البداية». كما صرح «أنطوني فوتشي» مدير المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية، وفي مقابلة في الآونة الأخيرة، أن التحكم في الإنفلونزا سيكون حيوياً هذا الشتاء للتحكم في كوفيد-19.
وليس لدينا لقاح يبطئ انتشار كوفيد-19، لكن لدينا لقاح لوقف انتشار الإنفلونزا الموسمية. لكن إعطاء اللقاحات لأكبر عدد ممكن من الأطفال والراشدين سيكون أصعب مقارنة بأي وقت مضى. ففي مواسم الإنفلونزا السابقة، قدرت المراكز الأميركية للتحكم في الأمراض والوقاية منها أنه، بين 5.5% و7% من الأطفال بين خمس سنوات و17 سنة حصلوا على لقاحات في المدرسة، وأن 15.5% من الراشدين، تلقوا لقاحات في العمل، وهذه الأماكن قد لا تستطيع تحقيق مثل هذه النسب من التحصين هذا العام بسبب تصاعد التوجه نحو التعلم والعمل عن بعد.
ويُضاف إلى محدودية إمكانية الحصول على لقاح، صعوبات موجودة سلفاً في تحصين جموع الناس مثل الخوف من اللقاحات وحملات التضليل المعلوماتي المتعمدة وصعوبة الحصول على اللقاح بسعر ميسور. وبسبب هذه العوامل مجتمعة لا يحصل على لقاح ضد الإنفلونزا من الأميركيين إلا أقل من النصف كل عام، رغم التوصية بها لكل شخص يزيد عمره على ستة شهور.
لا يتعين علينا نسيان الإنفلونزا هذا الخريف في غمرة انتشار جائحة كوفيد-19، بل يجب بذل جهود لتعزيز توافر اللقاحات في الصيدليات بدلا من الذهاب إلى طبيب لرفع القيود التي تمنع تحصين الأطفال الصغار خارج مكتب الطبيب، ولضمان توافر لقاحات الإنفلونزا دون تكلفة إضافية. وبهذا نساعد في إخضاع الفيروسيْن للسيطرة.
كريستوفر ورشا وآنوبام. بي. جينا
ــــ ـ ـ
*باحث في قسم سياسة الرعاية الصحية في كلية الطب بجامعة هارفارد.
**أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»