في الإمارات انصهر كل أبناء الدولة من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وبكل قبائلها وعوائلها، في بوتقة واحدة بعد قيام الاتحاد، حتى أصبحت هناك هوية واحدة فقط، وهي الهوية الإماراتية.
- - --
الهوية الوطنية الإماراتية، كغيرها من الهويات الوطنية الأخرى في المنطقة والعالم ككل، تواجه تحديات عدة بعضها بالفعل غير مسبوق
ـ ـ ـ ــ ــ
اللغة من أهم عناصر الهوية الوطنية؛ حيث لا تقتصر أهميتها على كونها وسيلة التواصل أو التفاعل بين أبناء الشعب الواحد فحسب، وإنما لكونها وعاء الثقافة المشتركة أيضاً
ـ ـ ـ ـ ـ ــ
الهوية الوطنية للإماراتيين بقيت محتفظة بمفهومها الأصلي المرتبط بالأرض التي ولدوا عليها واغترفوا من خيراتها، هي الأساس الذي ينطلقون منه في تعريف أنفسهم، وفي تعزيز ولائهم وانتمائهم لوطنهم
ـ ــ ـ ــ
العَلَمُ الموحد عنصر أساسي في هوية أي مجتمع أو دولة؛ حيث يصبح رمزاً للجميع فيقدِّمون الغالي والنفيس من أجل أن يبقى مرفوعاً
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ساهمت العولمة في تغير مفهوم الهوية الوطنية بل وحتى طبيعتها؛ وأصبح هناك شعور متنامٍ بأن للمرء (المواطن) المنتمي لوطنه، روابط خارجية تربطه بالآخرين ممن لهم هويات خاصة
ـ ــ ـ
أ.د.جمال سند السويدي*
الهوية الوطنية هي الركيزة الأساسية التي ينطلق منها المرء في انتمائه لدولة أو أمة ما؛ وهي المحرك الذي يدفع الفرد إلى تقديم كل ما يستطيع من أجل موطنه؛ بما في ذلك استعداده للتضحية حتى بنفسه؛ رفعة له وحماية لمكتسباته، ومن ثم فإن للهوية الوطنية دوراً محورياً في تقدم الدول وازدهارها وفي تحقيق أمنها واستقرارها، وفي الإمارات انصهر كل أبناء الدولة من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وبكل قبائلها وعوائلها، في بوتقة واحدة بعد قيام الاتحاد، حتى أصبحت هناك هوية واحدة فقط، وهي الهوية الإماراتية.
أولاً: مفهوم الهوية الوطنية
الهوية الوطنية يمكن تعريفها من حيث المبدأ، بأنها الخصائص أو السمات المشتركة التي يتميز بها مجموعة من الناس، والتي عادة ما تكون مستقاة من القيم والعادات والأعراف السائدة التي تحكم المجتمع، ومن التاريخ أو النضال المشترك، الذي يجعل الجميع يشعرون ويؤمنون بأن مصيرهم واحد، ورغم أن الهوية الوطنية تتبلور في سياق التطورات المختلفة الداخلية والخارجية لأي مجتمع، فإن جوهرها ثابت؛ حيث تبقى كالروح التي تسري في أجساد أبناء الشعب أفراداً وجماعات، وتضمن لهم البقاء والاستمرار، وفي الوقت نفسه التطور والاستقرار.
ثانياً: عناصر الهوية ومكوناتها
تتكون الهوية الوطنية لأي شعب من عناصر أساسية تتداخل وتتفاعل مع بعضها البعض مُنتجةً ما يمكن أن نسميه كينونة منسجمة، ورغم أن عناصر الهوية تختلف من مجتمع لآخر وفقاً للتجارب التاريخية والتحولات المختلفة، التي يمر بها كل مجتمع أو شعب، فإن هناك بشكل عام عناصر مشتركة بين المجتمعات والأمم والشعوب، ومن بينها:
1.الموقع الجغرافي الذي يتواجدون فيه سواء بشكل طبيعي؛ حيث وجدوا أنفسهم في منطقة ما من فترات زمنية طويلة، أو نتيجة هجرات من مناطق أخرى، لأسباب وظروف مختلفة دفعتهم إلى التجمع في هذا المكان، حيث تفرض عليهم الجغرافيا التعاون والعمل معاً، فينشأ شعور مشترك ومتبادل بأنهم مجتمع واحد، ويبدأ تشكُّل هويتهم التي تميزهم عن غيرهم من المجتمعات والشعوب.
2.التاريخ المشترك الذي عايشته مجموعة من الناس معاً، وفرض عليهم تحديات ونضالات مشتركة جعلتهم، يؤمنون أن بقاءهم وضمان مصالحهم يتطلب تضحيات من كل فرد فيهم من أجل مصلحة المجموع.
3.الحقوق المشتركة، حيث يتمتع أبناء الهوية الوطنية الواحدة بحقوق متساوية أمام القانون الذي وُضع من قِبَلهم خدمة لهم جميعاً؛ وليس لمصلحة فئة معينة من المجتمع، حيث يمكن لمثل هذا الأمر أن يدمِّر الهوية أو على أقل تقدير يُفرغها من محتواها أو جوهرها؛ وكذلك الأمر بالنسبة للواجبات، ليس فقط التي أوجدها القانون، وإنما أيضاً تلك التي تفرضها العادات والتقاليد والقيم المشتركة.
4.اللغة من أهم عناصر الهوية الوطنية؛ حيث لا تقتصر أهميتها على كونها وسيلة التواصل أو التفاعل بين أبناء الشعب الواحد فحسب، وإنما لكونها وعاء الثقافة المشتركة أيضاً. واللغة هي التي تنتج الثقافة، ولا نبالغ إذا قلنا إنهما وجهان لشيء واحد، واللغة والثقافة وفقاً لهذا ليستا مستقلتين، وإنما هما جزء من المحيط الذي يعيشان فيه ويتفاعلان معه؛ ومن ثم فإن اللغة عنصر أساسي في الهوية الوطنية، ولذلك لا عجب أن نرى كل دولة تحدد لنفسها لغة رسمية، وتعمل على حمايتها وتعزيزها، بل إن هناك دولاً تحدّ من استخدام لغات أخرى داخل حدودها حتى لا تتأثر الهوية الوطنية لشعبها، ولكي تبقى محافظة على خصوصيتها وربما تفرُّدها.
5.العَلَمُ الموحد عنصر أساسي في هوية أي مجتمع أو دولة؛ حيث يصبح رمزاً للجميع ومعرِّفاً فريداً لهم، والمحور الذي يدورون حوله ليس شكلاً وإنما فعلاً؛ فيقدِّمون الغالي والنفيس من أجل أن يبقى مرفوعاً، ليس بالمعنى المجرد، كأن يُرفع على السواري العالية أو العمارات الشاهقة وتؤدى له التحية صباح مساء؛ وإنما بأن يكون فعلاً في القلوب، بحيث يستشعر كل منتمٍ له في حركاته أنه معنيٌّ به، ويكون مستعداً للتضحية بنفسه من أجل ضمان خفقانه؛ لا أن يكون مجرد رمز أو شعار يُتاجَر به أو يُستغل من أجل خدمة مصالح ضيقة أو تحقيق طموحات زائفة.
ثالثاً: الهوية الوطنية محرك العطاء
كما أن الهوية تعبير معنوي عن كينونة الإنسان وأصله أو انتمائه، فإن انعكاساتها الحقيقية واختبار مصداقيتها تبرز من خلال العطاء؛ فلا يكتفي المرء بالشعور أو حتى التعبير اللفظي عن حبه وانتمائه لبلده، وإنما أيضاً يُترجِم هذا على أرض الواقع من خلال العمل، حيث يوجه كل طاقاته من أجل خدمة بلده وأبناء شعبه، أياً كان الموقع الذي يحتله؛ كما أن عليه أن يبرهن على مدى حبه لوطنه من خلال التضحية من أجله، والتي قد تصل إلى حد بذل النفس؛ فيخلده الوطن كما يخلده التاريخ.
رابعاً: الهوية الوطنية الإماراتية
رغم أن دولة الإمارات العربية المتحدة تأسست فعلياً عام 1971، على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، فإن الهوية الإماراتية واقعياً أسبق من ذلك التاريخ بكثير؛ حيث تشكلت على مدار مئات السنين هوية مشتركة لأبناء هذه المنطقة بحكم الجغرافيا والدين والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك؛ ولكنها استقرت بشكل تام، وتبلورت بصورة واضحة مع إقامة الاتحاد؛ حيث أصبح هناك وطن يضم الجميع، تشكلت معه وبه هوية وطنية جديدة يؤمن بها كل أبناء الإمارات، ويدركون من خلالها أنهم شعب واحد، ومصيرهم واحد، وقد عبَّر عن ذلك المغفور له الشيخ زايد رحمه الله: «إن المصير واحد، ما فيه مصير لإمارة ومصير لإمارة أخرى، ولا مصير لفرد وأفراد والآخرين لهم مصير أبداً. إن المصير واحد، والحرص واحد، والمصلحة واحدة».
وقد أصبحت هذه الهوية النور الذي يضيء الدرب في مواجهة التحديات وفي تحقيق حلم الأجداد في التطوير وتحقيق النهضة، التي يعيش فيها كل إنسان بكرامة تعمِّق من ولائه لوطنه وللقيادة الرشيدة التي تعمل ليل نهار من أجل سعادته، وضمان حاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه؛ ومن هنا يصبح من الطبيعي أن يكون الولاء للوطن ملازماً أيضاً للولاء للقيادة.
خامساً: الهوية الوطنية في ظل المتغيرات الحديثة
بقي مفهوم الهوية الوطنية مرتبطاً بشدة، تاريخياً، بالحدود الجغرافية للدولة أو أحياناً مجموعة من الدول التي تمتد فيها جماعة بشرية تربطها عناصر أساسية، غالباً ما تكون القومية أو الدين؛ ولكن مفهوم الهوية بدأ يتسع تدريجياً مع التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم، خاصة بعد ظهور العولمة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ وبروز مفاهيم جديدة من قبيل المواطنة العالمية، وبدأ التبلور التدريجي لما يمكن تسميته الهوية العالمية، حيث أصبح الناس أو الكثير منهم حول العالم يشعرون أنهم ينتمون إلى «كوكب» الأرض، وليس فقط إلى بقعة جغرافية محدَّدة منها.
وتواجه الهوية الوطنية الإماراتية، كغيرها من الهويات الوطنية الأخرى في المنطقة والعالم ككل، تحديات عدة بعضها بالفعل غير مسبوق؛ خاصة مع التطورات المتسارعة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وما أفرزته من وسائل اتصال جديدة جعلت العالم يبدو بالفعل - وليس مجازاً - وكأنه «قرية صغيرة».
لقد ساهمت العولمة في تغير مفهوم الهوية الوطنية بل وحتى طبيعتها؛ وأصبح هناك شعور متنامٍ بأن للمرء (المواطن) المنتمي لوطنه، روابط خارجية تربطه بالآخرين ممن لهم هويات خاصة، ولا نستطيع أن نتجاهل أن العولمة وما أحدثته من انفتاح وعبور للأفكار بلا حدود، وتكنولوجيا المعلومات وما نتج عنها وأفرزته من وسائل اتصال وإعلام غير تقليدية، أوجدت ما يمكن أن نسميه مجتمعاً عالمياً؛ ولكنها لم تستطع حتى الآن أن توجد هوية بديله للهوية الوطنية، فرغم التحولات الهائلة التي حصلت في العالم في مختلف جوانب الحياة، وما حققته من تقارب غير مسبوق بين الأفراد والشعوب، ورغم كل المؤثرات المصاحبة للتغيرات الكبرى التي وقعت في عالمنا بكل المقاييس، فقد بقيت الهوية الوطنية للإماراتيين محتفظة بمفهومها الأصلي المرتبط بالأرض التي ولدوا عليها ونشؤوا فيها، واغترفوا من معينها ومن خيراتها، هي الأساس الذي ينطلقون منه في تعريف أنفسهم، وفي تعزيز ولائهم وانتمائهم لوطنهم؛ ومن ثم بالطبع تحديد خياراتهم وفقاً لمصلحة البلد الذي منحهم ما لا يمكن لأي بلد آخر أن يمنحهم إياه، وهو الوطن.. الوطن بمفهومه الحقيقي الذي يحفظ كرامة الإنسان، ويوفر للمواطن السعادة وكل سبل العيش الكريم؛ فيكون أينما ذهب فخوراً بالانتماء لوطنه، كما أن الوطن بالطبع يكون فخوراً بأبنائه.
*كاتب إماراتي