عادت ميشيل أوباما إلى الساحة السياسية بمظهر السيدة الأولى التي كانت بدلاً من مظهر الشخصية الشهيرة الثقافية التي أصبحت. ولكن بمجرد ما بدأت تتحدث، كان واضحاً أنها لم تأتِ إلى مؤتمر الحزب «الديمقراطي» كرمز لانتصارات سياسية سابقة أو تقدم يصنع التاريخ.
بل بدت من خلال صوتها مثل مواطنة مجروحة. وبدت من خلال نبرتها مثل امرأة يعتصرها الألم.
وبنهاية خطابها، كان صوتها متهدجاً نوعاً ما وبدأت عيناها تلمعان، وبدا كما لو أنها كانت تغالب الدمع، وأنها قد تبكي على مستقبل بلدها إذا لم يستطع مواطنوه النهوض وانتشال أنفسهم من هذه المستويات المتدنية وتسلق الحفرة صعوداً إلى الضوء.
ميشيل أوباما ظهرت على الشاشة، وكانت المتحدثة الأخيرة خلال الليلة الأولى من مؤتمر الحزب «الديمقراطي»، من أجل إلقاء كلمتها في غرفة اتشحت بوشاح أبيض صوفي شكّلت خلفية ضبابية للمتحدثة ضمن عملية إخراج تلفزيوني مدروسة. وفي الخلفية أيضاً وُضعت لافتة زرقاء من حملة بايدن على حائط. وضيّق إطار الصورة. المرأة التي استخدمت الموضة والأناقة قصد تحسين كل ظهور عام لها تقريباً عندما كانت في البيت الأبيض، وكانت واعية جداً بالصدى القوي لمظهرها.
أوباما لم تأتِ من أجل طمأنة بلد قلق ومتوتر، بل جاءت وفي جعبتها تحذير. لقد جاءت لتعبّر عما يجول في خاطرها وتطلق العنان لحزن عميق،
إذ قالت: «إذا أخذت شيئاً واحداً من كلماتي اليوم، فهو أنك إذا كنت تعتقد أن الأمور لا يمكن أن تزداد سوءاً، فثق بي إنها تستطيع أن تسوء أكثر إذا لم نقم بتغيير في هذه الانتخابات»، مضيفة «إذا كنا نأمل في إنهاء هذه الفوضى، فيجب أن نصوّت لجو بايدن كما لو كانت حيواتنا تتوقف على ذلك».
قبل أربع سنوات، قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحدثت أوباما عن الترفع والتنزه عن حملة مليئة بالتشهير. يومئذٍ كانت المسألة تتعلق بالكرامة. أما اليوم، فإنها مسألة بقاء، كما تقول.
لم تتحدث أوباما مثل سياسي يعتمد على قائمة بالنقاط المهمة وبيانات. وقد ذكّرت المشاهدين في هذه الإطلالة بأنها تكره السياسة. بنبرتها وحركاتها بدت أمام الكاميرا أشبه بجارة مفوهة وفصيحة تدردش على الجانب الآخر من السياج الخلفي وتعبّر عن شعور بالاستياء مما آل إليه وضع البلد. فقالت إن الرئيس «غارق في المشاكل». وبعدها أضافت مستخدمة كلمات الرئيس دونالد ترامب نفسه، «إن الوضع هو كما هو».
وحذّرت أوباما، التي كانت مرتدية قلادة زينت بكلمة «صَوّت»، من تلاعب بنظام التصويت، داعيةً الناخبين إلى التصويت مبكراً، وإلى طلب «التصويت الغيابي» الآن وإرساله عبر البريد على الفور. كما نصحت الناس أن يرتدوا أحذية مريحة وكمامة ويذهبوا للتصويت بشكل شخصي إن اقتضى الأمر. كما طلبت منهم أن يأخذوا معهم كيساً ورقياً مملوءاً بالطعام تحسباً لاضطرارهم للانتظار في طوابير طويلة.
اللافت خلال هذا المؤتمر أن المتحدثين لم يكونوا يقصفون الجمهور بغضبهم. بل كانت نبرتهم تشي بالإرهاق والسخط. فمن «الجمهوريين» الذين كانوا يدعمون بايدن إلى الناخبين السابقين الذين صوّتوا لترامب في الانتخابات السابقة ثم غيّروا ولاءهم، بدا كما لو أن الغضب قد تبخر واختفى على مدى ثلاثة أعوام ونصف العام وأن كل ما تبقى هو تصميم فولاذي. أو ربما كان من الصعب جداً ومن الغريب جداً الوقوف أمام الكاميرا ليصيح المرء في الفراغ بدلاً من قاعة مؤتمر مكتظة بالمواطنين الهاتفين. فحتى نبرة السيناتور بيرني ساندرز بدت مستعجلة أكثر منها غاضبة.
والواقع أن الناس لم يكونوا غاضبين. لقد كانوا غاضبين لسنوات. ولكنهم تجاوزوا الغضب الآن. أصواتهم كانت أكثر هدوءاً. بل كانوا مبتسمين. الآن، أخذ منهم التعب بسبب كثرة المشاكل كل مأخذ ولم يعودوا يعرفون ماذا يفعلون.
*صحافية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»