هذا الصيف، فشلت الولايات المتحدة مرة أخرى في السيطرة على جائحة فيروس كورونا. ويجب أن يكون هذا مصدر خزي وطني كبير، بالنظر إلى الكيفية التي تمكنت بها حتى البلدان المتضررة بشدة، مثل إيطاليا والمملكة المتحدة، من السيطرة على الفيروس بشكل أكثر فعالية. يستمر تفشي المرض في الولايات المتحدة، مع عشرات الآلاف من الحالات الجديدة وحوالي ألف حالة وفاة يومياً. ويعاني الاقتصاد تبعاً لذلك، حيث يبقى الناس في منازلهم خوفاً من الفيروس.
ولكن في هذا الخريف، ستتاح للولايات المتحدة فرصة أخرى. وبفضل تكنولوجيا الاختبار الجديدة، قد تكون احتمالات التغلب على فيروس كورونا وبدء الانتعاش الاقتصادي أفضل هذه المرة -إذا كان بإمكانها فقط حشد الإرادة السياسية اللازمة والكفاءة الحكومية.
والخطوة الأولى للتغلب على الوباء هي فرض ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة. فقد ثبت علمياً وتجريبياً، أن ارتداء الأقنعة وسيلة فعالة لإبطاء انتشار فيروس كورونا، لكن بعض الأميركيين ما زالوا يرفضون القيام بواجبهم وارتداء قناع في الأماكن العامة. يحظى أمر ارتداء القناع الوطني بشعبية كبيرة، حيث يدعمه أكثر من 8 من كل 10 أميركيين. لكن على الولايات والمدن ألا تنتظر الحكومة الفيدرالية، بل إصدار أوامرها الخاصة.
ثانياً: يجب أن تنخرط الدولة بأكملها في برنامج إغلاق مُستهدف بدقة. ويجب حظر الحانات والمطاعم الداخلية والحفلات المنزلية والأحداث الأخرى التي تخلق اتصالاً داخلياً ممتداً. ويجب وضع برنامج إنقاذ للشركات التي تعاني من هذا الحظر طوال فترة الوباء.
تحتاج الكليات أيضاً إلى إبقاء الطلاب بعيداً عن الحرم الجامعي في فصل الخريف. لقد سمحت العديد من الكليات، التي تسعى حثيثاً لكيلا تفقد عائداتها وأهميتها، للطلاب بالعودة إلى مساكن الطلبة واستئناف فصولهم الدراسية، على الرغم من المخاطر المعروفة. وقد كانت هذه خطوة أنانية في مجتمعنا. وحذر مسؤول في جامعة «يل» الطلاب من «الاستعداد نفسياً لانتشار العدوى -وربما الوفيات». وكما كان متوقعاً تماماً، أدى ذلك إلى زيادة فورية في حالات كوفيد -19، حيث انخرط الطلاب في الحفلات والتواصل الاجتماعي. يحتاج الطلاب إلى الخروج فوراً من الحرم الجامعي، والحجر الصحي لمدة أسبوعين لتجنب إصابة الآخرين، واستئناف التعلم عبر تطبيق «زووم».
إلى جانب كل هذه الإجراءات، تحتاج الولايات المتحدة بشدة إلى تحسين قدرتها على اختبار فيروس كورونا. في بداية الوباء، أخطأت إدارة الغذاء والدواء ومراكز السيطرة على الأمراض بشدة في بدء الاختبارات على نطاق واسع. في النهاية، بدا أن الوضع يتحسن، حيث قفزت الاختبارات إلى حوالي 800,000 يومياً في يوليو الماضي.
لكن هذه الأرقام المثيرة للإعجاب لم ترو القصة كاملة. يتم التعامل مع معظم الاختبارات في الولايات المتحدة بوساطة مختبرات خاصة تقوم بشحن العينات إلى مرافق المعالجة المركزية. ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً، مما يعني أن الناس ينتظرون أسبوعاً أو أكثر للحصول على النتائج. يتفاقم التأخير بسبب نقص الكواشف الكيميائية وغيرها من المواد اللازمة للاختبار، والتي بدورها هي نتيجة لرفض إدارة ترامب إطلاق جهد وطني للاختبار. الاختبارات لا تظهر نتائجها لمدة أسبوع، وهي فترة كافية لكي يدرك الأشخاص ما إذا كانوا قد أصيبوا بالعدوى، ولكنها غير مجدية لمعظم الأغراض الأخرى.
وعلى وجه الخصوص، لا تساعد الاختبارات البطيئة في احتواء الفيروس من خلال تتبع جهات الاتصال. هذا لأن نهج الاختبار والتتبع يعتمد على القدرة على الاتصال بسرعة بالأشخاص الذين تعرضوا لفرد مصاب وإخبارهم بعزل أنفسهم. لكن النتيجة المتأخرة تعني أنه بحلول الوقت الذي يتصل فيه عامل تتبع جهات الاتصال بشخص مصاب، يكون هذا الشخص قد نشر الفيروس بالفعل منذ أيام.
لحسن الحظ، قد تكون الحلول التكنولوجية لمشكلة الاختبار البطيء متاحة الآن. وأحد الخيارات هو اختبارات الأجسام المضادة، والتي تظهر نتائجها في غضون ساعة أو نحو ذلك، بدلاً من أسبوع. وهناك طريقة أخرى هي اختبارات اللعاب، والتي تتطلب ببساطة من شخص ما أن يبصق على قطعة من الورق. وتعد اختبارات اللعاب أرخص بكثير، ويمكن أن تحصل على نتائج أسرع بكثير من اختبار مسحة الأنف المعتاد. وقد تمت الموافقة على اختبارات الأجسام المضادة لأول مرة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية في مايو الماضي، وتم السماح بإجراء اختبارات اللعاب مؤخراً.
ومصدر القلق فيما يتعلق بهذه الاختبارات هو دقتها. كلا النوعين من الاختبارات السريعة أقل دقة من اختبارات مسحة الأنف البطيئة، مما يعني أنه إذا كانت نتيجة الاختبار سلبية، فهناك فرصة صغيرة ولكنها حقيقية لإمكانية إصابتك بالعدوى. وقد يرغب الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم في اختبار اللعاب في تأكيد تشخيصهم باختبار تقليدي أبطأ.
لكن اختبارات اللعاب يمكن أن تكون فعالة للغاية في تتبع الاتصال. حتى وإن كانت نسبة الدقة 90%، فهي نسبة جيدة للتعرف على غالبية الأشخاص الذين تم الكشف عنهم من خلال الاتصال الشخصي.
كما أن التكلفة المنخفضة جداً لاختبارات اللعاب يمكن أن تجعل الاختبارات الجماعية ممكنة. يمكن اختبار العمال الأساسيين والفئات الضعيفة مثل كبار السن حرفياً يومياً، مما يقلل الحاجة إلى تتبع الاتصال، ويسمح باحتواء تفشي الفيروس بسرعة كبيرة.
أخيراً، ستجعل الاختبارات السريعة من السهل إجراء التجارب السريرية لعلاجات كوفيد-19. ولكن إذا كان السلوك السابق يمثل دليلاً، فمن غير المرجح أن تبذل إدارة ترامب جهداً وطنياً لنشر الاختبار السريع. ولكن الآن بعد أن سمحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بإجراء مثل هذه الاختبارات، لا يزال بإمكان حكومات الولايات والمنظمات الخيرية بذل قصارى جهدها لجعلها متاحة لجميع الأميركيين. ليس هناك أمل أفضل لوقف الفيروس هذا الخريف.
*أستاذ المالية المساعد بجامعة ستوني بروك الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»