ينبغي ألا تمر تصريحات معالي عبدالرحمن بن محمد العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، خلال الإحاطة الإعلامية الخاصة بآخر مستجدات فيروس «كوفيد-19»، يوم الثلاثاء الماضي 18 أغسطس 2020، من دون التوقف ملياً أمام تحذيره من الارتفاع الملحوظ لعدد الإصابات بالفيروس في الدولة خلال الأسبوعين الماضيين. وقد أوضح الدكتور عمر الحمادي، المتحدث الرسمي للإحاطة الإعلامية لحكومة الإمارات، تفاصيل أكثر عن هذا التطور المهم، بقوله إن معدل الارتفاع بلغ 136 حالة يومياً، مقارنة بالفترة السابقة التي نجحت خلالها الدولة في تقليل عدد الإصابات، والوصول بالوفيات إلى الرقم صفر لأيام متواصلة.
وليس هناك ما هو غامض في أسباب هذه الزيادة، فإهمال الإجراءات الوقائية التي أصبحت معروفة للجميع، من الحفاظ على المسافة الآمنة، وارتداء الكمامة، وتعقيم الأيدي وغسلها بصورة مستمرة، وتجنُّب التجمعات غير الضرورية، هو السبب المباشر لارتفاع أعداد الإصابات. وما لم تؤخَذ هذه التعليمات بالجدية الكافية، فإن جهود حصار الفيروس سوف تتضرَّر بشدة، بما يعنيه ذلك من ارتفاع التكلفة الاقتصادية المترتبة على زيادة الحالات، وكذلك ارتفاع التكلفة البشرية، وهي الخسارة الأكثر فداحة، لأن الروح الإنسانية لا يعوضها شيء.
وربما يمكن النظر إلى تجربتين عالميتين على طرفي نقيض، لنُدرك فداحة الآثار التي تترتب على الاستهانة بخطر «كوفيد-19». الأولى هي تجربة البرازيل التي وصف رئيسها التحذيرات من جائحة «كوفيد-19»، يوم 12 مارس الماضي، بأنها «أقرب إلى الخيال»، وأمعن في السخرية من الإجراءات الضرورية للوقاية، وتعمَّد الظهور في التجمعات من دون كمامة، والمحصلة في 19 أغسطس الحالي هي فقدان نحو 112 ألف برازيلي حياتهم، ولا يزال الموت يحصد مئات الأرواح هناك كل يوم.
وفي الجهة المقابلة تقف نيوزيلندا، التي لم يتجاوز عدد الوفيات فيها جراء فيروس «كوفيد» 22 شخصاً، حيث كان ظهور أربع حالات في أسرة واحدة بنيوزيلندا في 11 أغسطس الحالي، بعد 102 يوم من دون أي إصابة، كافياً لعودة البلاد إلى تطبيق إجراءات العزل العام، وإصدار رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، قراراً بتأجيل الانتخابات العامة، فلا شيء يعلو على أهمية الحفاظ على أرواح الناس وصحتهم. ولا شك أن هذا النجاح، الذي حققته التجربة النيوزيلندية، لم يحدث بفعل جهود الدولة الصارمة فحسب، بل كان التزام المجتمع هناك عنصراً حاسماً، ذلك أنه من دون التزام الأفراد قد تضيع جهود الدولة سُدى، وهذه حقيقة ينبغي ألا نغفل عنها لحظة واحدة.
إن ما يجب أن يظل ماثلاً في الأذهان أن مواجهة الجائحة هي مسؤولية الدولة والجمهور معاً، ودور الطرفين ضروري للنجاح. وقد أدت الدولة دورها، وحشدت مؤسساتها وأجهزتها جميعاً من أجل وقف تمدد الجائحة. ولتقديم نموذج لجهود الدولة يمكن العودة إلى ما قاله معالي عبدالرحمن بن محمد العويس، خلال الإحاطة الإعلامية المشار إليها سلفاً، عن وصول الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس في الدولة إلى أكثر من 6 ملايين، لتحتفظ بالمرتبة الأولى عالمياً في عدد الفحوص قياساً إلى عدد السكان. ويمكننا أن نقيس على ذلك كل جوانب التصدي لـ«كوفيد-19».
ويبقى دور الجمهور الذي يجب أن يستشعر مسؤوليته أكثر، وأن يؤدي كل فرد دوراً إيجابياً من خلال التزامه الشخصي أولاً، ومن خلال حث الآخرين في محيطه ومحيط أسرته على اتباع تعليمات الوقاية بدقة، وأن تكون الأولوية لدى الجميع هي حماية أنفسهم وأهلهم وأصدقائهم ومحبيهم ووطنهم، لكي يعبر الجميع هذا الظرف الحرج بسلام. كما أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق من يستهينون بتعليمات الوقاية وإجراءاتها، حماية لهم من أنفسهم، وحماية للمجتمع ممَّا يترتب على استهتارهم من تبعات فادحة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة ع مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.