في الحادي عشر من أغسطس الجاري، اختار نائب الرئيس السابق جو بايدن سيناتورة كاليفورنيا كمالا هاريس لتكون رفيقة له في السباق الرئاسي في انتخابات الثالث من نوفمبر الرئاسية. الإعلان جاء بعد خمسة أشهر على المناظرة التي تقابل فيها بايدن ومنافسه الرئيسي السيناتور بيرني ساندرز في الخامس عشر من مارس 2020. خلال تلك المناظرة وعد بايدن بأنه إذا اختير ليكون المرشح «الديمقراطي» الذي سينافس دونالد ترامب، فإنه سيختار امرأة لتترشح معه.
بايدن كانت أمامه مجموعة من الأسماء الموهوبة التي تتمتع بمؤهلات كبيرة، ليختار من بينهن مرشحة. الأيام الأولى من عملية الانتقاء تزامنت مع ظهور وباء كوفيد-19 باعتباره التحدي الأكبر الذي يواجه أميركا. واعتُبرت عدد من النساء حاكمات الولايات اختيارات رئيسية، نظراً لأنهن يتمتعن بتجربة في إدارة الأزمات، ومن بينهم غريتشن ويتمر من ولاية ميشيغن، وميشيل غريشم من ولاية نيومكسيكو. ومن بين الأسماء البارزة الأخرى التي أشير إليها وقتئذ إيليزابيث وارن التي كانت واحدة من أقوى المرشحات اللاتي نافسن بايدن على الزعامة، وإيمي كلوبتشر، وهي سيناتورة نشطة من مينيسوتا. غير أنه بعد ذلك، وتحديداً في الخامس والعشرين من مايو، قُتل رجل أسود، هو جورج فلويد، أثناء توقيفه من قبل شرطة مينيابوليس، وأدى مقتله إلى احتجاجات استثنائية في كل المدن الأميركية الكبيرة، وبعد ذلك بوقت قصير امتدت إلى مدن عبر العالم. ثم أصبحت حركة «أرواح السود مهمة»، التي بدأت في عام 2013 من أجل الاحتجاج على عنف الشرطة ضد مواطني الأقليات، ظاهرةً دوليةً تستقطب ملايين الأنصار على صعيد العالم، بمن فيهم الكثير من المحتجين البيض.
إحدى نتائج هذه الاحتجاجات، كانت شعوراً عاماً قوياً بين قادة الحزب الديمقراطي بأن بايدن في حاجة إلى اختيار امرأة ملونة للتنافس ضمن تذكرته الرئاسية. ومنذ البداية اعتُبرت كمالا هاريس الاختيار الأول، غير أنها كانت المرشحة الأشد والأكثر شراسة في هجومها على بايدن وسجله في العلاقات بين الأعراق، في المناظرة الديمقراطية الأولى التي نُظمت في السادس والعشرين من يونيو 2019. إذ شعر الكثيرون بأن هجماتها على بايدن كانت قاسية بشكل مبالغ فيه وغير ضرورية. ثم سرعان ما انسحبت هاريس من التنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. لكن الجميع كان متفقاً على أنها قوية وتتمتع بالمؤهلات المطلوبة.
وبحلول يوليو 2020، كانت جل التكهنات تذهب إلى أن بايدن قد استقر رأيه على أربعة أسماء لنساء من خلفية الأقليات: هاريس، ومستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة سوزان رايس، والسيناتورة تامي داكوورث، وهي قائدة طائرة هيلوكبتر سابقة في القوات الجوية، فقدت رجليها أثناء القتال في العراق، وعضو الكونجرس كارن باس من كاليفورنيا. وكانت رايس تُعتبر اختياراً قوياً، على اعتبار أنها سبق أن عملت مع بايدن لعدة سنوات، بما في ذلك في البيت الأبيض. غير أن رايس لم يسبق لها أبداً أن ترشحت لأي منصب انتخابي، وبالتالي لم يسبق لها أبداً أن واجهت الناخبين في محطات حملة انتخابية. وإذا كان فريق بايدن قد أبقى على اختياره سراً ولم تكن ثمة أي تسريبات، فإن أحداً لم يفاجأ عندما أعلن عن الاختيار.
والواقع أن هاريس تتمتع بمؤهلات عالية رجّحت كفتها. ذلك أنها أفريقية آسيوية؛ فوالدها أستاذ سابق للعلوم الاقتصادية بجامعة ستانفورد، هاجر من جامايكا، ووالدتها عالمة بيولوجيا من الهند. وقد وُلدت في ولاية كاليفورنيا، وأصبحت المدعية العامة لمدينة سان فرانسيسكو، ثم مدعية عامة لولاية كاليفورنيا. وفازت بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي عام 2017. وبالتالي، تمتلك هاريس خلفية قوية في إنفاذ القانون والعلاقات بين الأعراق، وهما موضوعان سيكونان أساسيان في انتخابات نوفمبر المقبل.
ما ينبغي على هاريس أن تفعله هو إثارة أصوات الأميركيين الأفارقة والآسيويين والشباب وتحفيزها وتعبئتها. فأحد أسباب خسارة هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 كان هو أداؤها الضعيف نسبياً بين هذه المجموعات، مقارنةً بحماسها ونسبة مشاركتها المرتفعة في التصويت، دعماً لباراك أوباما في انتخابات 2008 و2012. وإذا كان لدى هاريس تأثير مهم على نسبة مشاركة الأقليات في انتخابات نوفمبر، فيمكن القول إن لدى بايدن فرصة حقيقية للفوز بالبيت الأبيض.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست»- واشنطن