يجري الحديث في ظل حزب «العدالة والتَّنمية» الإخواني، عن تنازل آخر خلفاء بني العباس أحمد المتوكل الثَّالث(1543م)، لسليم الأول(ت1520م)، بعد احتلال مصر(1517م). لكن ما حصل لمصر ليس فتحاً، لأنها كانت على الإسلام، فمن وجهة نظر إسلامية، الفتح للبلدان التي ليست على الإسلام، ومصر رسمياً كانت تحت الخلافة العباسية، وشأن الخليفة مع المماليك، وهم أتراك أيضاً، شأن أجداده ببغداد مع السَّلاجقة والبويهيين، وبمصر مع الأيوبيين.
لسنا ضد خلافة العثمانيين، ولا تصبح الكنيسةُ مسجداً، فالزَّمن كان غالباً ومغلوباً، لكننا نتحدث عن الكذب والتَّلفيق للتاريخ المكتوب، و«الإخوان» يمجدون هذا التاريخ، وبالتَّالي يمثل تلفيق عودة الخلافة، على الرّغم من مخالفته للإسلام الذي يقرونه ويتباكون لعودته، فضيحةً لعقيدتهم السِّياسية في الخلافة نفسها، وما تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، إلا خطوة باتجاهها، بذريعة كاذبة «شراء الكنيسة»! لم يجرِ الحديث عن ذلك بمعزل عن جهود أردوغان، والذي يقف معه «الإخوان» في ادعاء الخلافة وجعل الكنيسة مسجداً، فهم أسسوا تنظيمهم (1928) على أساس فقد الخلافة، ويرون بوجود أردوغان بلوغ التمكن، وإعلان السَّعي الفعلي لعودة الخلافة، وهو جارٍ الآن.
ورد على موقع «الإخوان» الرَّسمي، التالي: «هكذا سقطت الخلافة بعد أن عمّرت 1292 سنةً فانفرط عقد الأمّة وتهدّدها الضياع، لكنَّ الأمل في عودة الخلافة لم يبرح ذهنية الإسلاميين، وها هي تركيا أخذت تعود إلى الإسلام، فهل هي بشرى بعودة الخلافة الإسلامية»؟! وبما أن العثمانيين كونهم أتراكاً لا تنطبق عليهم شروط الخلافة، لُفقت حكاية «التّنازل»، ولنفترض أن التَّنازل موجود، مع أنه كان تلفيقاً متأخراً، هل يعطي شرعية لأردوغان أن يكون خليفةً! فعند الإخوان صاحبهم يكون خليفةً، ولا يهم تقاليد الخلافة وشروطها، إلا يكون هم قد انقلبوا وأصبحوا خوارجَ أو معتزلة!
فبعد مراجعة كتب المؤرخين، الذين عاشوا في العهد العثماني، لم يذكروا تنازل المتوكل الثَّالث لسليم الأول، مثل ابن إياس(1523م) في «بدائع الزُّهور»، الذي تتبع المعارك خطوة بخطوة، وذكر حَمل المتوكل مع والده إلى قسطنطينية، ولم يُسَمِّ سليم الأول بالخليفة، ولا حكمه بالخلافة. كذلك لم يذكر ابن طولون(ت1546م) في «مفاكهة الخلان» شيئاً عن الخلافة العثمانية، إنما كان يُسَمّي سليم الأول بـ«ملك الرُّوم»، والقرماني(1610م) في «أخبار الدُّول وآثار الأُول» لم يذكر شيئاً عن التَّنازل. ولم يذكر العصامي(1699م) في «سمط النُّجوم العوالي»، شيئاً عن تسمية سلطان عثماني بالخليفة.
لكنْ، بعد أكثر من (350) عاماً ظهر اسم «الخلافة مادة دستورية:«السُّلطة السَّنيَّة العثمانية الحائزة على الخلافة الكبرى»(القانون الأساسي، العام 1876، المادتان 3 و4 تعريب مدحت باشا).
كان أبو حنيفة(150هجرية)، الأكثر تشدداً في حصر الخلافة بقريش: «لا يجوز أن يكون الإمام إلاّ رجلاً من قريش» (النَّاشئ، مقتطفات من الكتاب الأوسط)، كذلك ورد هذا الشَّرط في «مناقب أبي حنيفة»(الجزءان الأول والثَّاني). ومعلوم أن العثمانيين ليسوا عرباً، وكانوا «حنفيي» المذهب، وما زالت تركيا على هذا المذهب، والقريشية الشَّرط السَّابع لتولي الخلافة (الماوردي، الأحكام السُّلطانية).
غير أن التّنازل ورد في كتابات روسية:«وأجبر المتوكل أمريل حكيم (هكذا وردت) آخر خلفاء العبّاسيّين الذي كان مقيماً هناك على التَّنازل عن حقوقه بالخلافة، فأصبح سلاطين الإمبراطوريّة العثمانيّة منذ ذلك الوقت يحملون لقب خليفة»(آداموف، ولاية البصرة). كان الأسكندر آداموف قنصلَ روسيا بالبصرة أيام عبد الحميد الثَّاني(خُلع 1908)، وصدر كتابه 1912.
أما عن شراء«آيا صوفيا»، مثلما ذكر موقع «الإخوان» الرَّسمي وعِبر القناة التي تبث باسمهم، فعلى أيّ تاريخ استندوا؟! فالمصادر كافة أشارت إلى دخول محمد الفاتح اغتصاباً لها، وبعدها أخذ يُسَمّى بـ«قيصر روما»، مثل (بدائع الزُّهور).
يريد «الإخوان» تثبيت مسألة كبرى كالخلافة بمعلومة ملفقة، وكذلك لأجل تأييد أردوغان شطبوا على معاملة الخلفاء الأوائل مع الكنائس، أيَّ تركها بأيديهم. هذا إذا كان الحديث بمنطق السَّلف، والإخوان يعتبرون الصَّحابة سلفهم! أما بمنطق السّياسة، فليُلفقوا لأردوغان ما شاؤوا وما أراد، مثلما لفقوا«الحاكمية»، و«جاهلية العصر الحديث...»!
ـ. ــ ـ. ـ
*كاتب عراقي