قبل أقل من شهرين، كانت وصفة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأزمة مالي هي «عودة الدولة». فالرئيس الفرنسي، الذي كان ينظر إلى مشاكل هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا على أضيق نحو ممكن، أشار إلى أن أحسن تحصين للدولة هناك ضد عودة إرهاب التنظيمات المسلحة في منطقة الساحل، يكمن في مزيد من الحوكمة. وكانت هذه النظرة تتطلب تجاهلا للأزمة السياسية التي ألمت بباماكو، حيث فقدت حكومة الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا بعض مسانديها منذ مدة، وعلى مدى أسابيع، شهدت العاصمة مظاهرات احتجاج ضد حكم كيتا من قبل معارضيه.
وقد رفع المحتجون شعارات تتحدث عن اتهامات تشمل تفشي الفساد، وسوء إدارة الاقتصاد، وإساءة إدارة أزمة وباء فيروس كورونا، وتزوير الانتخابات.. كما زعموا أن الحكومة الحالية كانت سبباً للعديد من الأمراض التي تعاني منها مالي!
ومنذ ذلك الحين، لم يزدد الوضع في المستعمرة الفرنسية السابقة إلا اضطراباً، إذ توحدت تنظيمات مختلفة من المعارضة للدعوة إلى استقالة كيتا، وازداد الاحتقان عقب مظاهرات العاشر من يوليو الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 11 محتجاً. ولم تقد المساعي المتكررة التي بذلتها منظمة «إيكواس» («المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا»)، من أجل التوسط بين طرفي الأزمة، إلى أي نتيجة إيجابية. كما لم تُجدِ نفعاً الزيارة التي قام بها إلى باماكو وفدٌ يضم رؤساء خمس دول من غرب أفريقيا.
غير أن دَفعةً من ماكرون قد تنجح في تحقيق تقدم. وعلى كل حال، فإن تدخل الجيش الفرنسي في عام 2013 هو الذي حال دون انهيار مالي. غير أن فرنسا، التي تنظر إلى الرئيس «كيتا» باعتباره حليفاً أساسياً في المعركة ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، تحيط الرئيس بالدعم والحماية. كما أن قوات فرنسية، قوامها نحو 5 آلاف جندي، تقود جهداً دولياً لمحاربة الإرهاب، تساهم فيه عدة دول بحزام أفريقيا جنوب الصحراء، الممتد من السنغال إلى السودان. وتنظر الحكومة الفرنسية بارتياب إلى رجل الدين المحافظ «محمود ديكو»، الذي يُعد زعيم المعارضة بحكم الواقع.
بيد أن هدف ماكرون الرئيسي في مالي – تطهير منطقة الساحل من التنظيمات الإرهابية – لا يمكن أن يتحقق في ظل الاضطرابات الحالية وما تسببه من إضعاف للحكومة. فـ«عودة الدولة» لا يمكن أن تتأتى إلا عندما تتمتع الحكومة بقدر من القوة المادية والمعنوية، وبالتالي فسيكون من مصلحة كل من فرنسا ومالي أن تنضم باريس إلى أعضاء «إيكواس» في الضغط من أجل التوصل لتوافق وطني مالي بين الحكومة المعارضة.
وكان الرئيس المالي قد أشار إلى أنه مستعد للموافقة على حكومة وحدة وطنية، لكن أحزاب المعارضة ترغب في حل البرلمان، وفي تنظيم انتخابات جديدة (بدلا من الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في مارس وأبريل الماضيين). كما ترغب في إجراء إصلاحات من شأنها تحصين مكتب رئيس الوزراء من التدخلات الرئاسية (عين «كيتا» ستةَ رؤساء وزراء في ظرف سبع سنوات فقط)، والسماح بمزيد من الشفافية في المجال العمومي. هذه الإصلاحات، إن نُفذت بشكل جيد، من شأنها أن تجعل الدولة المالية أقوى وأكثر مرونة. وهذا بكل تأكيد يصب في مصلحة ماكرون، بقدر ما يصب في مصلحة بقاء كيتا في السلطة.
والواقع أنه يمكن للفرنسيين الفوز من ناحيتين؛ ذلك أن «ديكو» ليّن موقفه بعض الشيء، قائلاً إنه يمكن التوصل لحل من دون استقالة كيتا (الذي تنتهي ولايته الثانية في عام 2023).
غير أن فرنسا ليست الحكومة الغربية الوحيدة التي تقف إلى جانب كيتا، فخلال احتجاجات العاشر من يوليو الماضي، كتب «جاي. بيتر فام»، المبعوث الخاص لإدارة ترامب إلى منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، تغريدةً على «تويتر» تقول: «إن تغييراً حكومياً خارج الدستور غير ممكن». وهو ما أوّله المحتجون على أنه إشارة دعم للرئيس.
القوى الأجنبية التي تدعم، من دون قيد أو شرط، رئيساً منتخباً ضد معارضة شعبية، بسبب تهديد الإرهاب.. هذا فيلم شاهدناه من قبل، ونادراً ما انتهى نهايةً جيدة. غير أنه إذا تم الدفع في اتجاه توافقات وإصلاحات في باماكو، يستطيع ماكرون ضمان انتهاء القصة نهاية مختلفة في مالي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»