يحتل الابتكار موقعاً متقدماً ضمن أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة، باعتباره واحداً من الأسس التي ترتكز عليها استدامة النجاح في كل المجالات. ويتصل الابتكار بأسباب وثيقة بمجتمع المعرفة الذي يواصل تشكله في الدولة، وبالمكانة التي تحتلها الثروة البشرية في تصوراتها لبناء المستقبل الأفضل، فالابتكار يرتبط ببيئة تُعلي من شأن المعرفة وتعمل على تنميتها، وبعقول مشغولة بإيجاد حلول متجددة للمشكلات التي تواجه المجتمع في كل مجالات الحياة.
ولقد وضعت دولة الإمارات ركائز قوية أتاحت للابتكار أن يكون من بين المعايير الأساسية في مختلف قطاعات العمل، وشيدت إطاراً مؤسسياً قوياً لهذا الغرض، حيث أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أكتوبر 2014، «الاستراتيجية الوطنية للابتكار» التي وُضعت لها مسارات محددة وسبعة قطاعات وطنية ذات أهمية استراتيجية لتحفيز الابتكار من خلالها. وما ينطوي على دلالات رمزية مهمة، أن التقليد الحميد في دولة الإمارات بتخصيص كل عام لمعنى أو قيمة أو رمز وطني، قد بدأ عام 2015، مع «عام الابتكار».
وفي تطور مهم، جاء إطلاق «مرصد الابتكار الحكومي»، أحد مبادرات «مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي». ويهدف المرصد إلى رصد أفضل السياسات والممارسات في العمل الحكومي في العالم العربي، والتعريف بها، وإتاحة الفرصة للمجتمع للاطلاع عليها من خلال تقارير دورية، ومنح المبتكرين التقدير الذي يستحقونه. ومن شأن ذلك أن يُنتج وعياً متقدماً بثقافة الابتكار في المجتمع، ويشكل إلهاماً للأفراد والجهات الحكومية يحفزهم على استكشاف طاقات الابتكار الموجودة لديهم، ويشجعهم على المشاركة في جهود الابتكار، إلى أن تصبح ممارسة طبيعية وأسلوب حياة.
ومن خلال الموقع الإلكتروني «ابتكر»، يتيح «مرصد الابتكار الحكومي» لأصحاب الأفكار والممارسات المبتكرة في العالم العربي أن يعرضوا خبراتهم وتجاربهم على المرصد لـ«توثيقها ومشاركتها بهدف تمهيد الطريق لإحداث تغيير شامل ومساعدة الحكومات على إيجاد طرق مناسبة لتحويل المفاهيم والممارسات الجديدة إلى ممارسات طبيعية، بحيث لا يكون الابتكار عرضياً، وإنما استراتيجياً وقائماً على البحث والدراسة».
وبفتح المجال أمام المبتكرين في العمل الحكومي في العالم العربي، فإن دولة الإمارات تواصل أداء مهمتها في إتاحة الاستفادة من خبراتها لأشقائها العرب، وتمهيد الطريق أمام وعي عربي بأهمية الابتكار الحكومي، وخاصة أن المؤسسات الحكومية تظل صاحبة الحضور الأكبر والدور الأبرز في الدول العربية، ومن ثم فإن أي جهد على طريق تطوير العمل الحكومي يصب في صالح المجتمعات والشعوب العربية.
وتمثل الشروط التي وضعها «مرصد الابتكار الحكومي» موجِّهات تضبط مسار الابتكارات التي تستحق توثيقها ومشاركتها، وتضع علامات طريق واضحة لإرشاد المبتكرين، وأهم هذه الموجهات هي تحقيق المبادرة أثراً ملموساً على أفراد المجتمع، من خلال الكفاءة التي تعني تحسين النتائج بالنسبة إلى المدخلات، والفاعلية التي تعني تطوير القدرة على تحقيق أهداف محددة. كما أن عنصر جودة الخدمة من بين الركائز التي فصَّل المرصد معايير تحقيقها بوضوح.
وقد تضمن التقرير الدوري الأول للمرصد رصداً لعدد من الابتكارات الحكومية التي ساعدت على توظيف التكنولوجيا في خدمة المتعاملين من أجل احتواء آثار فيروس كورونا، وضمنت استمرارية الخدمات والأعمال في القطاعين الحكومي والخاص في ظل القيود التي فرضها انتشار الفيروس. وإذا عدنا إلى «الاستراتيجية الوطنية للابتكار» عام 2014، فسوف نجد أن أهدافها في قطاع الصحة تتضمن «تشجيع الابتكار في مجالات تقديم خدمات صحية وعلاجية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وتشجيع تطوير الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية». وتؤكد تجربة مواجهة «كوفيد-19» أن خطط الابتكار التي وضعتها الدولة في وقت مبكر، كانت قادرة على تحديد الاحتياجات المستقبلية بدقة، وواعية لكيفية توظيف الابتكار في مواجهة التحديات.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.