في لحظة تتميز بكثير من عدم اليقين بشأن إنجاح انتخابات 2020 الرئاسية، اتخذت المحكمة العليا الأميركية قراراً لمصلحة الاستقرار والمنطق. ففي قرار اتخذته بإجماع قضاتها التسعة، رأت المحكمة أن لدى الولايات الصلاحية لإرغام أعضاء «المجمع الانتخابي» على التصويت لمصلحة المرشح الذي تعهدت ولاياتهم بدعمه، وبمعاقبتهم إن حاولوا نقض ذاك الوعد الذي وعدوا به الناخبين.
القرار يُعتبر مهماً لأنه سيساعد على تجنب كارثة انتخابية يحاول فيها بعض الناخبين الكبار إحباط إرادة الشعب. كما يُظهر القرار أن المحكمة العليا تعترف بأن الانتخابات الرئاسية يفترض حقاً أن تتعلق بديمقراطية الأغلبية، على الرغم من بعض الجوانب التي قد تبدو قديمة ومتجاوَزةً الآن والتي ورثت عن الرجال الذين حرروا الدستور قبل أكثر من 230 عاماً.
وعندما يحظى قرار ما بتأييد كل القضاة، قد يسهل نسيان لماذا اعتُبر الموضوع مهماً لدرجة إحالته إلى المحكمة العليا أصلاً. غير أنه في حالة الناخب الكبير الذي لا يفي بوعده، فإن السبب الذي جعل القضاة يسعون للبت في هذه القضية هو غموض في نظام «المجمع الانتخابي». فعندما صمّموا نظاماً من أجل الانتخابات الرئاسية، كان بإمكان واضعي الدستور الأميركي أن يقولوا للهيئات التشريعية للولايات أن تبعث بتفضيلات الولايات إلى العاصمة الفدرالية واشنطن حتى تؤخَذ بعين الاعتبار. غير أنه بدلاً من ذلك، اجترح واضعو الدستور فكرة «المجمع الانتخابي» المؤلّف من أشخاص حقيقيين، لكل واحد منهم صوت، وجميعهم يلتقون في ولاياتهم ويرسلون أصواتهم إلى واشنطن. (اسم «المجمع الانتخابي» قد يوحي بأن كل الناخبين الكبار يلتقون في مكان واحد، لكنهم لم يفعلوا قط).
ولأن الناخبين الكبار يتم اختيارهم بشكل فردي، فقد بدأت تخطر لبعضهم على مدى السنين فكرة أنهم هم الذين ينبغي أن يُسمح لهم، وليس للناخبين الذين صوّتوا لهم، بأن يقرروا لمصلحة مَن يدلون بأصواتهم. فعلى كل حال هم «الناخبون الكبار»، كما يقولون، وبالتالي فينبغي أن يكونوا أحراراً في القيام بالانتخاب.
غير أنه من الناحية العملية، من شأن هذا أن يمثّل استخفافاً بفكرة أن الانتخابات الرئاسية انتخابات ديمقراطية. ثم إنه أمر سيء أصلاً أن نظام «المجمع الانتخابي» ليس نظام أغلبية حقيقياً مثلما هو حالياً. وفضلاً عن ذلك، فإن السماح للناخبين الكبار بتجاهل وعودهم واتباع أجنداتهم الخاصة من شأنه أن يُدخل عنصر عشوائية إلى نظام انتخابات رئاسية يُحبط إرادة الأغلبية أحياناً.
القاضية «إيلينا كاجان»، مدعومةً بستة من زملائها، تعتبر أن المادة الثانية من الدستور الأميركي تحل المشكلة من خلال تنصيصها على أنه يجوز لكل ولاية أن تختار ناخبيها الكبار «على النحو الذي قد توجّه به هيئتها التشريعية». وترى القاضية أن تلك اللغة تمنح الهيئة التشريعية في الولاية سلطة واسعة لتحديد كيفية اختيار الناخبين الكبار، وأن تلك الصلاحية تسمح للولايات منطقياً بتوجيه الناخبين الكبار بالتصويت وفق ما وعدوا به، وبمعاقبتهم إن لم يفعلوا، وباستبدالهم بناخبين كبار آخرين مستعدين للقيام بذلك على النحو الصائب. وهناك 15 ولاية لديها مثل هذه القوانين أصلاً، ولا شك أنه سيكون من الجيد أن تحذو الولايات الـ35 الأخرى حذوها.
القاضي كلارنس توماس، مدعوماً بالقاضي نيل غورستش، يتفق مع النتيجة، لكنه قال إن المشكلة لا يمكن حلها من خلال لغة المادة الثانية من الدستور، وإنما من خلال «التعديل العاشر» الذي ينص على أن الصلاحيات التي لا تفوّض للحكومة الفدرالية يحتفظ بها الشعب أو الولايات. وبشكل عام، يخلص توماس الذي يحب حقوق الولايات، إلى أن معاقبة الناخبين الكبار حقٌّ سيادي أصيل للولايات. بيد أن هذا الرأي مقلق قليلاً. ذلك أن الانتخابات الرئاسية هي شأن فيدرالي يحكمه الدستور. ومنطقياً، لا يمكن أن يكون ثمة حق سيادي موجود مسبقاً للولايات في اختيار الناخبين الكبار في عمليةٍ لم تظهر أصلاً إلا بعد أن أوجدها الدستور. وعلى غرار معظم الحجج المتعلقة بحقوق الولايات، يمكن تمديد حجج توماس لتمكين الولايات من مقاومة الحكومة الفدرالية. والجدير بالذكر هنا أن الانفصال الذي يُعد أبرز مثال على الحجج المتعلقة بحقوق الولايات، استند أيضاً إلى نظرية حق سيادي أصيل للولايات في حل روابط الاتحاد.
غير أن الخبر السار في الوقت الراهن هو أن توماس وغورستش لم يتشددا لدرجة قد تؤدي إلى استدعاء تشويه للانتخابات الرئاسية من قبل الناخبين الكبار غير المنضبطين الذين قد يأملون اختطاف العملية.
وخلاصة القول هي أن المجمع الانتخابي بات قديماً جداً وفي حاجة لإصلاحات. غير أنه عندما يكون لديك دستور قديم مثل الدستور الأميركي، فإن أفضل شيء يمكنك القيام به ليس هو شراء دستور جديد وإنما أخذ الدستور القديم إلى ورشة وعرضه على الميكانيكيين الخبراء ليقوموا بعملهم. ويمكن القول إن القضاة أثبتوا يوم الاثنين أنهم ميكانيكيون جيدون ومهرة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»