عندما يبدو أن الكثير من الفنزويليين لا يمكن أن يكونوا أسوأ من ذلك، ثق أن الرئيس نيكولاس مادورو سيظهِر بأن هناك ما هو أسوأ من ذلك. في وقت سابق من هذا الشهر، أرسل مادورو قوات إلى الحدود الكولومبية، والسبب أن عشرات الآلاف من الفنزويليين الذين فروا من الجمهورية البوليفية وضربهم كورونا والإغلاق الاقتصادي في الخارج، أصبحوا يتوقون للعودة إلى وطنهم. وقد وصفهم مادورو بـ«الأسلحة البيولوجية»، وألقى عليهم باللوم؛ كونهم السبب في ارتفاع العدوى في البلاد.
ويعتبر العائدون إلى فنزويلا الصورة الأكثر وضوحاً لواحدة من حالات الطوارئ الأقل بروزاً في المنطقة: محنة مئات الآلاف من الأميركيين اللاتينيين الذين فروا من حياة بلا مستقبل في بلدانهم الأصلية، وهم الآن، في خضم المرض وحالات الإغلاق، يجدون أنهم غير مرغوب فيهم من قبل جيرانهم كذلك. فلننس للحظة الجدار الحدودي الأميركي ومراكز الاحتجاز المزدحمة على طول ريو جراندي. لقد ارتفع تدفق الناس بين دول أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 10 ملايين أميركي لاتيني يعيشون حالياً في دولة أخرى في المنطقة. ويجادل الاقتصادي «مانويل أوروزكو»، خبير في الهجرة والتحويلات في مؤسسة «حوار البلدان الأميركية»، في دراسة يعدها الآن، بأن إجمالي العدد قد يصل إلى 13 مليون شخص؛ أي ضعف العدد المسجل في عام 2000.
وارتفعت الهجرة داخل المنطقة بعد الركود العالمي في عام 2008، عندما شددت الدول الغنية الإجراءات على حدودها. وارتفعت مرة أخرى بعد 2010، حيث أدى العنف المتفاقم، والجرائم المتعلقة بالمخدرات، والاضطرابات السياسية، إلى دفع مئات آلاف العائلات من ثماني دول، على الأقل، في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للبحث عن ملجأ في دولة أجنبية، غالباً في بلد مجاور. وكانت بيرو والبرازيل بين الدول الخمس التي لديها أكبر عدد من طلبات اللجوء في عام 2019.
لنأخذ نيكاراجوا، على سبيل المثال، حيث واجه الرئيس «دانييل أورتيجا» الاضطرابات الشعبية بقمع وحشي، وطارد الآلاف عبر الحدود. وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018، شهدت كوستاريكا ارتفاعاً في عدد السكان المولودين في الخارج ليصل إلى 27.000، وسعى 25.000 إلى الحصول على وضع لاجئ رسمي.
وأدى الاتجاه الصعودي لهذا النزوح الإقليمي إلى ارتفاع في حجم الدولارات التي يتم تحويلها إلى الوطن، حيث أعاد المهاجرون المغامرون بناء حياتهم في الخارج، وشاركوا الثروة مع أحبائهم الذين تركوهم في الوطن. وفي دراسة أجريت في شهر يونيو، خلص أوروزكو إلى أن 10% من 17 مليار دولار أميركي حولها الأميركيون اللاتينيون العام الماضي، تم كسبها في دول أميركا اللاتينية الأخرى.
ويظهر تقرير آخر، أن صافي التحويلات إلى بوليفيا وكولومبيا والإكوادور ونيكاراجوا وباراجواي، من داخل المنطقة، في 2017 بلغت نسبتها 21%. وفي الواقع، استحوذت بوليفيا وباراجواي على المزيد من دولارات المهاجرين من الدول المجاورة أكثر مما حصلت عليه من الولايات المتحدة في ذلك العام، بينما تجاوزت التحويلات داخل المنطقة في بوليفيا وكولومبيا ونيكاراجوا تلك التي تم الحصول عليها من إسبانيا.
مرة أخرى، حدد الفنزويليون وتيرتهم، حيث كان المهاجرون يرسلون 40 دولاراً في المتوسط (من كولومبيا) إلى 214 دولاراً (من بنما) في المرة الواحدة، بعدد مرات يصل على 12 في السنة. ويهدد تفشي الفيروس التاجي، الآن، هذا التدفق الحيوي من السخاء الإقليمي، كما يكشف عن مدى قدرة البلدان المضيفة غير المستعدة على إدارة مشكلة اضطراب الهجرة. ولنأخذ في الاعتبار أن أكثر من ثلثي الفنزويليين في كولومبيا يفتقرون إلى وضع الهجرة القانوني، وأن ربعهم فقط لديهم تصاريح مؤقتة.
وعاد ما يقرب من 70.000 فنزويلي إلى وطنهم اعتباراً من أول يوليو، في حين أن هناك عشرات الآلاف في الطريق، وفقاً للأمم المتحدة. وبلغت ميزانية جهود الإغاثة متعددة الوكالات، المعروفة باسم الاستجابة للفنزويليين، والتي أطلقت لاحتواء الأزمة، 1.41 مليار دولار، وحتى 24 يوليو، جمعت 248 مليون دولار فقط.
والفنزويليون ليسوا وحدهم، وإنما يعود الباراجويون أيضاً من الأرجنتين، ويحاول البيروفيون مغادرة تشيلي. ويستعد نيكاراجويون في كوستاريكا وبنما للمغادرة. وتفيد الأمم المتحدة أيضاً أن الوباء قد حفّز «نمطاً جديداً للهجرة الداخلية»، حيث غادرت عشرات الآلاف من العائلات في بوليفيا وإكوادور وبيرو المدن، حيث ترتفع معدلات الإصابة، إلى الريف. وقدّم هؤلاء الوافدون الجدد خدمات أساسية، وأحياناً ضرورية، في البلدان المضيفة لهم، من البناء إلى رعاية المسنين. وساهمت جيوش من عمال التوصل في توصيل الغذاء للأرجنتين أثناء عمليات الإغلاق. وكانت الممرضات والأطباء الكوبيون والبيروفيون من بين أوائل المستجيبين لأزمة كوفيد-19. ومع ذلك، رأى العمال الضيوف أن الترحيب بهم يتلاشى مع سبل عيشهم. وقالت فانينا مودولو، محللة الهجرة الإقليمية في المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في بيونس آيرس: «الكثيرون منهم مهاجرون غير شرعيين، لا يحصلون على الخدمات الصحية أو إعانات البطالة. ولا يستطيع خريجو الجامعات العمل بشهاداتهم».
ويتزايد التمييز وكراهية الأجانب، حيث يصبح المهاجرون أهدافاً سهلة للسكان المحليين الذين يواجهون صعوبات في حياتهم اليومية.
*كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»