الحكومة السودانية تسمي نفسها انتقالية، ولكن ما تحاول القيام به تاريخي. ففي أحدث حزمة إصلاحات أُعلن عنها في وقت سابق من هذا الشهر، ألغت الحكومة قانوناً ضد الردة، وأنهت العقاب بالجَلد، وجرّمت ما يعرف بـ«ختان الإناث»، وأسقطت قوانين تلزم النساء بالحصول على إذن عضو ذكر في العائلة من أجل السفر بأطفالها.
والأسبوع الماضي، شرعت الحكومة أيضاً في المرحلة الأخيرة من محادثات سلام مع متمردين قد تنتهي بانضمام هؤلاء إلى الإدارة.
وعلى بعد نحو شهر على ذكرى عام على ميلادها، تبدو الحكومة - التي يترأسها مجلس مؤلف من ممثلين مدنيين وعسكريين، ويقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة - عاقدة العزم على تفكيك التركة السامة للنظام السابق المخلوع من دون تأخير. والنشطاء السودانيون والمنظمات الحقوقية الدولية يشجعونها على ذلك.
كما تتلقى الحكومة التشجيع أيضاً من إدارة ترامب، التي رفعت مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فبعد فراغ دام أكثر من عقدين، بات لدى واشنطن الآن سفير سوداني، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة ستعين سفيراً إلى الخرطوم.
ولكن واشنطن ما زالت تتحفظ على القرار الذي من شأنه أن يعني الكثير للحكومة الانتقالية، ألا وهو إزالة اسم السودان من قائمة وزارة الخارجية للبلدان الراعية للإرهاب. والحال أن هذه التسمية، التي تتقاسمها السودان مع إيران وكوريا الشمالية وسوريا، تقيّد وصول البلاد إلى المساعدات والاستثمارات والتحويلات المالية.
وكما كتبتُ العام الماضي، بعيد تعيين حمدوك، فإن السودان لا مكان له على تلك القائمة، بل إن الكثيرين في مؤسسة الأمن الوطني في واشنطن يؤكدون أنه كان ينبغي إزالتها منها منذ سنوات. إذ على الرغم من كل طغيانه، إلا أن حتى البشير لطالما تعاون مع جهود مكافحة الإرهاب الأميركية. حقيقة اعترفت بها إدارة ترامب في 2017، عندما أزالت معظم العقوبات الأميركية على السودان.
ومع ذلك، ما زالت الولايات المتحدة ترفض خطو الخطوة الأخيرة، على الرغم من أن الحكومة الانتقالية أبدت بشكل متكرر رغبتها في كسب رضا واشنطن.
ولا شك أن قول بومبيو «إننا نمعن في التفكير في الأمور دائماً، ثم نتخذ القرار قبل أن نزيل أحداً من قائمة مثل تلك» هو كلامٌ فضفاضٌ في أفضل الأحوال.
صحيح أن هناك أصواتاً أخرى في واشنطن تشدد على ضرورة الحذر. إذ يقولون إن الإبقاء على السودان ضمن القائمة يمنح الولايات المتحدة نفوذاً على الجيش يضمن عدم إضعافه عملية التحول الديمقراطي، وإنه من الأفضل ترك مسألة سحب اسمها من القائمة لتكون المكافأة النهائية لحكومة منتخَبة بعد انتهاء فترة الثلاث سنوات الانتقالية.
وبالطبع، إمكانية العودة لارتكاب جرائم الماضي موجودة. والشاهد التمرد العنيف لأعضاء من أجهزة الاستخبارات في يناير، ثم إن حمدوك نجا من محاولة اغتيال في مارس، وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن الحكومة استطاعت سجن البشير، وبعض أقرب رجاله، إلا أن شخصيات عسكرية أخرى ما زالت تملك سلطة معتبرة في الخرطوم.
غير أن تخيل أن الإبقاء على السودان ضمن قائمة البلدان الراعية للإرهاب من شأنه صدّ القوى المضادة للثورة فيه مبالغة كبيرة للنفوذ الأميركي، وتقليل من شأن الحركة الاحتجاجية التي أطاحت البشير. فالمحتجون يقظون ويراقبون الجيش، ورغم الوباء، إلا أنهم حافظوا على الضغط على الحكومة حتى تواصل مسلسل الإصلاح.
ولا شك أنهم يستطيعون استخدام المساعدات الدولية للمساعدة على الحفاظ على نزاهة الحكومة، غير أنه حتى تمنع أي تراجع إلى الخلف في الخرطوم، تملك الولايات المتحدة الكثير من الجزرات والعصي التي تستطيع استخدامها.
وعلى سبيل المثال، فإن من شأن تيسير الطريق إلى الاستثمارات والمساعدات أن يسمح لحمدوك بإعادة بناء اقتصاد السودان الذي كان متدهوراً حتى قبل الوباء. بعض المستثمرين، وبعد أن قيّموا بأنفسهم إمكانيات ثالث أكبر في بلد في أفريقيا، لم ينتظروا إلى حين صدور قرار رسمي بإزالة اسم السودان من القائمة، إذ أعلنت شركات أميركية مثل «فيزا إنك» و«أوراكل» و«يم!» عن شراكات في السودان. والشهر الماضي، تعهد مانحون دوليون بمنح السودان ملياري دولار من المساعدات. ولا شك أن مزيداً من المساعدات ستذهب إلى السودان في حال أزيل اسمه من قائمة رعاية الإرهاب، ثم إن النجاح على الجبهة الاقتصادية سيساهم كثيراً في إضفاء الشرعية على الحكم المدني.
وفضلاً عن ذلك، فإن التهديد بالعقوبات يفترض أن يكون كافياً كعامل ردع وتثبيط. فعلى كل حال، وبالنسبة لمن يحتاج إلى تذكير، فإن إزالة بلد ما من قائمة رعاية الإرهاب ليست حالة دائمة: فكوريا الشمالية، مثلاً، أزيلت من القائمة في 2008، ثم أعيدت إليها بعد ذلك من قبل إدارة ترامب.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»