اللعبةُ تلعب لاعبَها، ولا لعبة لعبتها الأمم مثل العمل، منذ أن غادر البشر الكهوف والأدغال، وأنشأوا أولى القرى والمدن في العراق القديم ومنطقة الشرق الأوسط قبل نحو عشرة آلاف عام، والآن تلعبُ العالمَ لعبةُ العمل عن بعد، والعمل من المنزل، والعمل عبر الأسلاك الإلكترونية.
الأكاديمي السعودي محمد السويل، أستاذ علوم وهندسة المعلومات والاتصالات، يُعرّف العمل بأنه: «أداء مهمة أو مجموعة مهام بأقل تكلفة وأفضل نتيجة، مع الحفاظ على معنويات عالية للجميع وعوائد مالية مجزية للجميع»، ويذكر السويل أن تجربة العمل عن بعد في دول الخليج ناجحة جداً، ليس فقط لأنها أنجزت الكثير من المهام التي كان إنجازها حضورياً متعذراً، لكنها أزالت الحاجز النفسي لدى الكثيرين، وأزالت تخوّفهم من العمل عن بعد، ما يفتح الباب لتنفيذ مزيد من المهام عن بعد، ويستدرك السويل قائلاً: «عند مقارنة العمل عن بعد بالحضور الفعلي، نفتقد مصدراً مهماً للتعلم، وهو المحادثات الجانبية في الممرات، وأثناء تناول القهوة والوجبات، والتعرف مباشرة على أشخاص ملهمين ومؤثرين».
ويوافقه الرأي استشاري علوم وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عبد الكريم طه، الذي يدير من مقره في بريطانيا مشاريع أبحاث عالمية، ويرى طه أن البحث من بعيد «يساعد على تركيز الذهن، وتحقيق مرونة أكبر في نمط الحياة والعمل»، ويضيف: «لكن العرب الذين يُفرض عليهم العمل من بعيد، يواجهون معضلة جماعية الثقافة العربية، والسؤال هو: إلى أي مدى تضع التكنولوجيات الرقمية حدوداً للتواصل؟»، ويؤكد طه على الآثار النفسية والذهنية للعمل عن بعد، وأثرها على إنتاجية العمل.
ويذكر المهندس الاستشاري العراقي حيدر أرشد، المقيم في كندا، أن عمله من المنزل أكثر كفاءةً، حيث لا يتعرض لمنغصات العمل في المكتب، ويوافقه الرأي زيد البياتي، نائب المدير التنفيذي لـ«مجلس الأكاديميين المعرضين للمخاطر»، ومقره في بريطانيا. ويذكر البياتي، أن العمل من المنزل يوفر له ساعتين يومياً يقضيهما في المواصلات، هذا الوقت الضائع يغني حالياً عمله وعمل زوجته، المديرة في مستشفى «كرومويل» بلندن، ويوفر لهما الوقت والجهد لتربية طفليهما، ويقول إنه يرحب باستمرار بالعمل من المنزل حتى بعد الجائحة.
ويعارض ذلك تماماً كامل شاكر، مهندس تكنولوجيا المعلومات في جامعة «ميدل سيكس» في بريطانيا، حيث يقدم الصورة القاتمة التالية للعمل من المنزل: «عمل كل شيء في غرفة واحدة؛ النوم، والأكل، وارتداء الملابس، ومشاهدة التلفزيون، وفوق ذلك كله العمل!».. ولا غرو أن يكون كامل شاكر أول المبادرين لقبول عرض جامعة «ميدل سيكس» العودة للعمل من المكتب.
وعلى الصعيد العالمي تحدث تغيرات مثيرة، خصوصاً في عمل شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث عرضت «فوجيتسو» اليابانية للعاملين فيها «برامج عمل دائمة من المنزل توافق أوقاتهم، وأدوارهم، وأنماط حياتهم»، وأجازت شركة «تويتر» لموظفيها أعمالاً دائمة من المنزل، حسب رغبتهم، وأخبرت شركتا «غوغل» و«فيسبوك» موظفيهما باستمرار العمل من المنزل حتى نهاية عام 2020، وأتيحت للناس حول العالم متابعة عمل رؤساء الشركات الكبرى من منازلهم، مثل «ألفابيت» و«تشيسكو»، وفتحت أبواب منزلها «أدنا فريدمان» رئيسة شركة «ناسداك»، إحدى أكبر الشركات العالمية لتجارة الأسهم، وأتاحت لنا سماع عواء كلبها الذي لا يتوقف عن النباح، ومشاهدتها وهي تهرع إلى المطبخ لإعداد شريحة خبز بالزبدة والعسل، وفي منزل «بورلا»، رئيس «بفايزر»، إحدى أكبر شركات الصيدلة العالمية، يبدأ اليوم وينتهي بعراك زوجته وابنته التي عادت للعيش مع أبويها بسبب الجائحة!
والعمل لعبة الأمم اللذيذة، حيث يبدع العرب نكاتاً ممتعة، بينها نكتة تقويم عام 2020، التي تذكر أن العام بدأ كالمعتاد بشهري يناير وفبراير، وأعقبتهما شهور «حجراير الأول» و«حجراير الثاني»، ثم «تمديد الأول» و«تمديد الثاني»، و«ذو الشدة»، و«ذو الأزمة»، ويَختتمُ العامَ شهرُ «ذو الخرجة»!