إن «الأمم المتحدة» تشبه «عصبة الأمم» في عجزها. هذا ما يؤكده الأشخاص الذين ينتقدون المنظمة الأممية بسبب عجزها عن وضع حد للحرب الأهلية في سوريا، أو عن السماح للفلسطينيين بأن تكون لهم دولة. غير أنه على الرغم من كل ذلك، لا ينبغي المبالغة في انتقاد الأمم المتحدة. فعصبة الأمم، التي كان يفترض أن تمنع اندلاع حرب عالمية جديدة، لم تستطيع تحقيق ذلك. وبالمقابل، تمكنت الأمم المتحدة من تجنيب العالم حرباً عالمية ثالثة، في الوقت الراهن على الأقل، وذلك بفضل الردع، وتوازن القوى، والدروس المستخلصة من التاريخ بشكل خاص. وبالتالي، فإن هذا الهدف تحقق، ولا شك في أن للأمم المتحدة وزناً أكبر من ذاك الذي كان لعصبة الأمم.
بيد أن حق الفيتو أو النقض الذي يمتلكه كل واحد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن يحول دون تعرضهم، وتعرض حلفائهم، للتنديد. فإذا نُدد ببشار الأسد، مثلاً، تُشهر روسيا الفيتو. وإذا وُجهت أصابع الاتهام لإسرائيل، فإن الولايات المتحدة هي التي تلجأ لاستخدام الفيتو. ومن جانبها، تستخدم الصين الفيتو من أجل منع تعرضها للتنديد.
الاستثناء الوحيد لهذا الشلل الذي يصيب مجلس الأمن الدولي بسبب استخدام الفيتو حدث في 1990، عندما غزا صدّام حسين الكويت. كان صدّام حينها حليف الاتحاد السوفييتي -- الذي كان بدأ يضعف، ولكنه كان لا يزال موجوداً – وكان يعتقد أن موسكو ستستخدم الفيتو في حال تعرض للضغط في مجلس الأمن، غير أن ذلك لم يحدث. ذلك أن غورباتشيف كان تحدوه الرغبة حينئذ في تغيير النظام الدولي، ومنح الأمم المتحدة الصلاحيات الكاملة. وهكذا، ولأول مرة في التاريخ، لم يصدر أي «فيتو» من أجل حماية حليف عضو دائم في مجلس الأمن. ولهذا السبب، لم تكن حرب الخليج لعام 1990 حرب الغرب ضد بلد عربي، وإنما حرب قادها المجتمع الدولي، غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورحيل غورباتشيف، استُأنفت لعبة «الفيتو».
وعليه، فإن الأمم المتحدة في حد ذاتها ليست هي المسؤولة عن حالة الانسداد والشلل في عمل المنظمة الأممية، لأن السبب في ذلك هو الخلاف وعدم التوافق بين القوى الكبرى. وقد أظهر غورباتشيف أنه يمكن لقوة كبرى التصرف على نحو متعدد الأطراف، ولكنه لم يكافَأ على ذلك. ونتيجة لذلك، أصبحت روسيا لاحقا أقل استعداداً للاتفاق والتوافق مع الغربيين.
واللافت أنه عندما يُشرع في الحديث عن منظمة الأمم المتحدة، كثيراً ما تُستحضر الإخفاقات أولاً. والواقع أن الإخفاقات موجودة، غير أنه ينبغي رؤية النجاحات أيضاً. والحال أن الوقاية لا تُرى بوضوح مثلما تُرى إخفاقات هذه الوقاية. فعدد النزاعات التي استطاعت الأمم المتحدة منعها وتفاديها عن طريق الوساطات، والمفاوضات، والوسائل الدبلوماسية، وعبر الاتصالات الرسمية أو غير الرسمية، كثيرة أيضاً، ثم إن النظام الأممي لديه أيضاً أهميته من خلال مختلف المؤسسات المختصة، مثل منظمة الصحة العالمية، والمفوضية السامية للاجئين، إلخ.
ولا شك أنه ينبغي ممارسة ضغط على البلدان من خلال الرأي العام والمجتمعات المدنية، من أجل التنديد بالاستخدام المفرط لحق الفيتو هذا. وفي هذا الصدد، اقترحت فرنسا، عندما كان لوران فابيوس وزيراً للخارجية، ألا يسمح للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي باستخدام الفيتو عندما يتعلق الأمر بالتنديد بجريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية. مقترح كان قد قوبل بالعرقلة يومئذ، ولكن يبدو أن الفكرة أخذت تكتسب تأييداً متزايداً الآن.
والحق أن عالم اليوم لم يعد يناسب هذا النموذج. ولهذا، لا بد من توسيع عضوية مجلس الأمن حتى يضم أعضاء جدداً، غير أن الإصلاحات الضرورية من أجل ذلك تقابل بالعرقلة، سواء من قبل أطراف لا ترغب في رؤية الهند واليابان عضوين في مجلس الأمن، أو من قبل الولايات المتحدة، التي لا تريد رؤية أمم متحدة أكثر كفاءة وفعالية.
وعليه، فيجب الانتباه والحذر في الانتقادات المفرطة المتعلقة بالنظام الأممي وبالعمل الدولي متعدد الأطراف. وبالمقابل، ينبغي الانكباب على تحسين الإجراءات، والحرص على أن يكون للرأي العام وزن أكبر وأن يُستمع إليه. فمن السهل جداً انتقاد الأمم المتحدة، ولكن البديل عنها يعني غياب المؤسسات، ما سيتسبب في فوضى وتسيب أكيدين. والحال أن الأمم المتحدة والنظام الأممي يخفّفان على الأقل من معاناة السكان، عبر توفير سلاسة في الحياة الدولية، ما يجعلهما أساسيين، ولا يمكن الاستغناء عنهما.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس