ما دام الوباء موجوداً، سيظل زعماء العالم منشغلين بالتهديد الذي يطرحه المرض على نحو يمكن تفهمه. غير أن ثمة أخطاراً أخرى محدقة بالبشرية تستوجب الانتباه أيضاً. ولعل أحد أكثر هذه الأخطار إخافة هو حرب نووية. وللأسف، فإن احتمال حدوثها مستمر في الازدياد.
الأعداد التي تذكرها العناوين في وسائل الإعلام خادعة ومضللة. فصحيح أن المخزون العالمي من الرؤوس النووية قد انخفض قليلاً العام الماضي، وفق أحدث تقرير لـ«معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي». ولكن ذلك يعزى فقط إلى أن الولايات المتحدة وروسيا، وهما البلدان اللذان يمتلكان أكثر من 90 في المئة من المخزون النووي العالمي، فكّكا بعض الرؤوس النووية القديمة التي لم تعد صالحة.
وفي غضون ذلك، تعمل كل البلدان التسعة الممتلكة لقنابل نووية على تحديث ترسانتها النووية وأنظمة توصيلها. فالأسبوع الماضي فقط، أجرت فرنسا اختباراً ناجحاً أطلقت فيه، انطلاقاً من غواصة، صاروخاً نووياً قادراً على الطيران بين القارات بسرعة تفوق سرعة الصوت بعشرين مرة. هذا، في حين ما فتئت بلدان أخرى، أبرزها الصين، تعمل على تعزيز مخزونها السري من الأسلحة النووية بأسرع وتيرة ممكنة.
على أن المقلق أكثر، هو شروع بعض الدول في إعادة النظر في استراتيجياتها بخصوص استخدام هذه الأسلحة. لقد ولّى زمن الاستقرار المنطقي للحرب الباردة، عندما كانت قوتان عظميان تراقبان بعضهما بعضاً والعالم من خلال تهديد «التدمير المتبادل المؤكد»!
فروسيا، على سبيل المثال، أخذت تنظر إلى رؤوس نووية «تكتيكية» صغيرة على نحو متزايد، باعتبارها طريقة ممكنة لتعويض ضعفها في قواتها العسكرية الأخرى. ومن الوارد أن نزاعاً يبدأ بحرب، يمكن أن يتصاعد ويتطور إلى حرب تقليدية وضربة نووية محدودة، تستدعي ضربة مضادة، وهكذا دواليك.
وهناك، أيضاً، تكهنات بأن الهند يمكن أن تخفّف سياستها، التي تبنتها في 1998، والتي تقضي بألا تكون أبداً المبادِرة باستخدام السلاح النووي. ولكن هذا التفكير ليس مسألة هيّنة بالنسبة لبلد لديه جاران معاديان وممتلكان للسلاح النووي - باكستان والصين. فهذا الأسبوع فقط، اشتبكت الهند والصين مرة أخرى بسبب حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا. ثم إن لا أحد يعرف ما قد تفعله كوريا الشمالية في أزمة تتسبب فيها بنفسها.
وفي الأثناء، توقفت كل الجهود الرامية إلى الحد من الأسلحة النووية أو وقفها. فالعام الماضي، انهارت اتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أزالت الصواريخ ذات المديين القصير والمتوسط التي تطلق من الأرض، بعد أن اتهمت الولايات المتحدة روسيا بالغش.
على أن العدوين القديمين ما زالا بعيدين عن تمديد الاتفاقية المتبقية الوحيدة حول مراقبة الأسلحة، التي تعرف بــ«اتفاقية ستارت الجديدة»، والتي تنقضي في فبراير المقبل. وأحد أسباب ذاك الفشل هو إلحاح أميركا على ضرورة انضمام القوة العظمى الثالثة والصاعدة إلى المفاوضات. ولكن الصين، التي تعتبر نفسها بلداً يسعى للحاق بالزعيمين النوويين، ترفض قبول أي قيود. كما لم يُحرز أي تقدم بخصوص تحديث «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية»، بعد خمسين عاماً بالضبط على دخولها حيز التنفيذ. تلك الاتفاقية سعت إلى منع بلدان أخرى من صنع قنابل عبر تشجيعها على استخدام المادة الانشطارية (اليورانيوم أو البلوتونيوم) لأغراض مدنية فقط مثل إنتاج الكهرباء؛ ولكن خمسة بلدان أصبحت قوى نووية منذ توقيعها. والأنكى من ذلك، أن «نظرية اللعبة» تشير إلى أنه من المنطقي توقع أن تتبعها دول أخرى. وقد تكون إيران التالية.
الاتفاقية الدولية الوحيدة لحظر هذه الأسلحة الشريرة كلياً، «اتفاقية حظر الأسلحة النووية»، التي مررتها الأمم المتحدة في 2017، لم تكن لها فرصة كبيرة للنجاح. ذلك أن أياً من أعضاء النادي النووي ينوي المصادقة عليها، وذلك على غرار الكثير من البلدان الأخرى.
وكما لو أن ذلك لم يكن سيئاً بما يكفي، فإن الشك أخذ يدبّ إلى التحالف العابر للأطلسي، مضعفاً مصداقيته، ومضعفاً بالتالي الردع الذي يُعد أساسياً لمنع الحرب. والألمان، بشكل خاص، مصدومون بمعاملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي انتقدهم بشدة هذا الأسبوع، واصفاً إياهم بالحلفاء «المخلّين بالتزاماتهم»، ومؤكداً أنه سيسحب نحو جندي واحد من أصل كل أربعة جنود أميركيين من ألمانيا.
وبين السذاجة في ألمانيا، والعدوانية في روسيا، والطموح في الصين، والحماقة في أميركا الترامبية، والتصعيد في كوريا الشمالية، يبدو الأفق قاتماً. فالمهووسون بذواتهم والمارقون قد ينجرون إلى محاولة جس النبض واختبار الحدود في مخططات الردع الخاصة بأعدائهم، والخطأ البشري يمكن أن يفاقم كلفة الحماقة.
والأكثر من ذلك، أن المناخ الحالي في العلاقات الدولية ليس مساعداً تماماً على التوصل إلى حلول. ذلك أن زعماء العالم المهمين جد منشغلين بـ«الحروب التجارية» أو«قومية اللقاحات»، لدرجة أنهم ما عادوا يستطيعون حتى تخيل الجلوس حول طاولة مع أشخاص يكرهونهم ولكن ينبغي أن يتحدثوا معهم، ضمن نشاط كان يُعرف سابقاً بالدبلوماسية.
غير أنهم يجب أن يَسْموا فوق أنفسهم. وإذا لم يستطيعوا ذلك، فيجب علينا نحن، من الناخبين إلى الجيش، أن نرغمهم على ذلك. إن التعاون والتنسيق الدوليين الصبورين فقط، رغم عدم جاذبية هذا المصطلح بالنسبة لـ«الذكور المهيمنين»، يمكن أن ينقذنا على المدى الطويل. وإلا، فإن دول العالم ستجد نفسها واقفة في غرفة مبللة بالبنزين، إذا جاز لنا استخدام استعارة من زمن الحرب الباردة، وكل واحدة منها تَعُدّ أعواد الثقاب التي لدى كل واحدة منها، إلى أن يُشعَل أحدها.
الأعداد التي تذكرها العناوين في وسائل الإعلام خادعة ومضللة. فصحيح أن المخزون العالمي من الرؤوس النووية قد انخفض قليلاً العام الماضي، وفق أحدث تقرير لـ«معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي». ولكن ذلك يعزى فقط إلى أن الولايات المتحدة وروسيا، وهما البلدان اللذان يمتلكان أكثر من 90 في المئة من المخزون النووي العالمي، فكّكا بعض الرؤوس النووية القديمة التي لم تعد صالحة.
وفي غضون ذلك، تعمل كل البلدان التسعة الممتلكة لقنابل نووية على تحديث ترسانتها النووية وأنظمة توصيلها. فالأسبوع الماضي فقط، أجرت فرنسا اختباراً ناجحاً أطلقت فيه، انطلاقاً من غواصة، صاروخاً نووياً قادراً على الطيران بين القارات بسرعة تفوق سرعة الصوت بعشرين مرة. هذا، في حين ما فتئت بلدان أخرى، أبرزها الصين، تعمل على تعزيز مخزونها السري من الأسلحة النووية بأسرع وتيرة ممكنة.
على أن المقلق أكثر، هو شروع بعض الدول في إعادة النظر في استراتيجياتها بخصوص استخدام هذه الأسلحة. لقد ولّى زمن الاستقرار المنطقي للحرب الباردة، عندما كانت قوتان عظميان تراقبان بعضهما بعضاً والعالم من خلال تهديد «التدمير المتبادل المؤكد»!
فروسيا، على سبيل المثال، أخذت تنظر إلى رؤوس نووية «تكتيكية» صغيرة على نحو متزايد، باعتبارها طريقة ممكنة لتعويض ضعفها في قواتها العسكرية الأخرى. ومن الوارد أن نزاعاً يبدأ بحرب، يمكن أن يتصاعد ويتطور إلى حرب تقليدية وضربة نووية محدودة، تستدعي ضربة مضادة، وهكذا دواليك.
وهناك، أيضاً، تكهنات بأن الهند يمكن أن تخفّف سياستها، التي تبنتها في 1998، والتي تقضي بألا تكون أبداً المبادِرة باستخدام السلاح النووي. ولكن هذا التفكير ليس مسألة هيّنة بالنسبة لبلد لديه جاران معاديان وممتلكان للسلاح النووي - باكستان والصين. فهذا الأسبوع فقط، اشتبكت الهند والصين مرة أخرى بسبب حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا. ثم إن لا أحد يعرف ما قد تفعله كوريا الشمالية في أزمة تتسبب فيها بنفسها.
وفي الأثناء، توقفت كل الجهود الرامية إلى الحد من الأسلحة النووية أو وقفها. فالعام الماضي، انهارت اتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أزالت الصواريخ ذات المديين القصير والمتوسط التي تطلق من الأرض، بعد أن اتهمت الولايات المتحدة روسيا بالغش.
على أن العدوين القديمين ما زالا بعيدين عن تمديد الاتفاقية المتبقية الوحيدة حول مراقبة الأسلحة، التي تعرف بــ«اتفاقية ستارت الجديدة»، والتي تنقضي في فبراير المقبل. وأحد أسباب ذاك الفشل هو إلحاح أميركا على ضرورة انضمام القوة العظمى الثالثة والصاعدة إلى المفاوضات. ولكن الصين، التي تعتبر نفسها بلداً يسعى للحاق بالزعيمين النوويين، ترفض قبول أي قيود. كما لم يُحرز أي تقدم بخصوص تحديث «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية»، بعد خمسين عاماً بالضبط على دخولها حيز التنفيذ. تلك الاتفاقية سعت إلى منع بلدان أخرى من صنع قنابل عبر تشجيعها على استخدام المادة الانشطارية (اليورانيوم أو البلوتونيوم) لأغراض مدنية فقط مثل إنتاج الكهرباء؛ ولكن خمسة بلدان أصبحت قوى نووية منذ توقيعها. والأنكى من ذلك، أن «نظرية اللعبة» تشير إلى أنه من المنطقي توقع أن تتبعها دول أخرى. وقد تكون إيران التالية.
الاتفاقية الدولية الوحيدة لحظر هذه الأسلحة الشريرة كلياً، «اتفاقية حظر الأسلحة النووية»، التي مررتها الأمم المتحدة في 2017، لم تكن لها فرصة كبيرة للنجاح. ذلك أن أياً من أعضاء النادي النووي ينوي المصادقة عليها، وذلك على غرار الكثير من البلدان الأخرى.
وكما لو أن ذلك لم يكن سيئاً بما يكفي، فإن الشك أخذ يدبّ إلى التحالف العابر للأطلسي، مضعفاً مصداقيته، ومضعفاً بالتالي الردع الذي يُعد أساسياً لمنع الحرب. والألمان، بشكل خاص، مصدومون بمعاملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي انتقدهم بشدة هذا الأسبوع، واصفاً إياهم بالحلفاء «المخلّين بالتزاماتهم»، ومؤكداً أنه سيسحب نحو جندي واحد من أصل كل أربعة جنود أميركيين من ألمانيا.
وبين السذاجة في ألمانيا، والعدوانية في روسيا، والطموح في الصين، والحماقة في أميركا الترامبية، والتصعيد في كوريا الشمالية، يبدو الأفق قاتماً. فالمهووسون بذواتهم والمارقون قد ينجرون إلى محاولة جس النبض واختبار الحدود في مخططات الردع الخاصة بأعدائهم، والخطأ البشري يمكن أن يفاقم كلفة الحماقة.
والأكثر من ذلك، أن المناخ الحالي في العلاقات الدولية ليس مساعداً تماماً على التوصل إلى حلول. ذلك أن زعماء العالم المهمين جد منشغلين بـ«الحروب التجارية» أو«قومية اللقاحات»، لدرجة أنهم ما عادوا يستطيعون حتى تخيل الجلوس حول طاولة مع أشخاص يكرهونهم ولكن ينبغي أن يتحدثوا معهم، ضمن نشاط كان يُعرف سابقاً بالدبلوماسية.
غير أنهم يجب أن يَسْموا فوق أنفسهم. وإذا لم يستطيعوا ذلك، فيجب علينا نحن، من الناخبين إلى الجيش، أن نرغمهم على ذلك. إن التعاون والتنسيق الدوليين الصبورين فقط، رغم عدم جاذبية هذا المصطلح بالنسبة لـ«الذكور المهيمنين»، يمكن أن ينقذنا على المدى الطويل. وإلا، فإن دول العالم ستجد نفسها واقفة في غرفة مبللة بالبنزين، إذا جاز لنا استخدام استعارة من زمن الحرب الباردة، وكل واحدة منها تَعُدّ أعواد الثقاب التي لدى كل واحدة منها، إلى أن يُشعَل أحدها.
أندرياس كلوث
كاتب وصحافي متخصص في الشؤون الألمانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»