أثبت فيروس كورونا المستجد أن الأطباء هم خط الدفاع الأول، فربما كنا نؤمن بهذه الحقيقة نظرياً قبل هذه الجائحة، لكننا اليوم نؤمن بها من الميدان، فالطبيب إذ يدافع عن صحة الإنسان، فإنه يحمي حياته ومعيشته واستقراره ومستقبله كله.
وحريٌ، من هذا الاعتبار الذي يمثله الطبيب، الاقتراب من ظروفه، وفقاً لنظرية «تكلفة الفرصة البديلة»، والمثال البسيط عليها في تاجرٍ يملك محلاً يتلقى عرضاً من مستثمر بتأجير المحل إليه، فإذا رفض العرض، فإن مبلغ الإيجار الذي فوّته التاجر على نفسه يُعرف بـ«تكلفة الفرصة البديلة».
ورغم أن هذه نظريةٌ في مجال التجارة، فإنها تصح في مجال المهن، أي ما الذي يَفوت على من يختار الطب على غيره من المجالات؟ فإذا تبين أنه يفوّت على نفسه فرصاً أفضل تتوفر في المجالات الأخرى، فإنه ليس من الغريب القول إن هذه المهنة غير جاذبة.
نبدأ بكلفة الدراسة في كلية الطب البشري مقارنةً بالكليات الأخرى، فهي تبلغ ضعفاً أو ضعفين في أي جامعة، وذلك بالنسبة للجامعات غير المجانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً الفارق في مدة الدراسة.
وينهي طالب الطب دراسته خلال 6 سنوات، بينما الطالب في أكثر الكليات الأخرى ينهي دراسته خلال 4 سنوات، وإذا حصل كل واحد منهما على وظيفة في السنة التالية، فإن أول راتب يتقاضاه خريج الطب في سن الـ25، بينما زميله تقاضى أول راتبه له بعمر الـ23. علماً بأن السنة الأولى لعمل خريج الطب هي سنة الامتياز، بينما الآخرون لا يمرون بالضرورة بسنة تدريب.
وبينما لا يحتاج خريج أي كلية إلى مزيد من الدراسة لكي يصل إلى قمة الهرم المهني في مجاله، فإن الطبيب بعد إنهاء سنة التدريب، يكون أمام الخيار بين العمل ممارساً عاماً إلى النهاية أو الالتحاق ببرنامج إقامة مدته بين 4 و5 سنوات، يزاول خلالها عمله كطبيب ويخوص امتحانات التخصص. وبانتهاء البرنامج في عمر الـ29 أو الـ30، يصبح إما أخصائياً أو استشارياً، وذلك تبعاً لتقييم برنامج الإقامة. ويكون عندها قد بلغ قمة الهرم الوظيفي الفني في الطب.
وفي المحصّلة، نجد أن فرصاً بديلة تتوفر لمن اختار غير الطب، هي نفسها الفرص التي تَفوت على من اختار الطب، خصوصاً أنّ التفاوت في الرواتب فيما بين القطاعات بسيط، إذا ما استثنينا مَن يتوجهون للعمل لحسابهم الشخصي، سواء في مهنة الطب، أو أي مهنة أخرى.
هذه الفرص البديلة تبدأ في الكلفة العالية لكلية الطب، وطول فترة الدراسة، وحجم الجهد والمثابرة، ثم ببداية جني ثمار التخصص بالأجور الشهرية، وبما لا يحتاج إليه من اختار قطاعاً آخر من دراسة إضافية أثناء عمله ليصل إلى قمة الهرم في مجاله. وتترتب على هذين الاعتبارين فرصة البدء مبكراً في التخطيط للحياة من حيث السكن والزواج وإنجاب الذرية، ثم قلة الراحة أثناء العمل، والحياة الاجتماعية، وممارسة الهوايات، والبقاء متصلاً على الدوام بآخر المستجدات العلمية وتحديث المعلومات، فضلاً عن المسؤولية الطبية التي تعتبر هاجساً دائماً لأي طبيب.
لا بد إذن من العمل على تقليل تكلفة الفرص البديلة للطبيب، لضمان بقاء جاذبية هذه المهنة التي تمثل خط الدفاع الأول عن الإنسان.
*كاتب إماراتي
وحريٌ، من هذا الاعتبار الذي يمثله الطبيب، الاقتراب من ظروفه، وفقاً لنظرية «تكلفة الفرصة البديلة»، والمثال البسيط عليها في تاجرٍ يملك محلاً يتلقى عرضاً من مستثمر بتأجير المحل إليه، فإذا رفض العرض، فإن مبلغ الإيجار الذي فوّته التاجر على نفسه يُعرف بـ«تكلفة الفرصة البديلة».
ورغم أن هذه نظريةٌ في مجال التجارة، فإنها تصح في مجال المهن، أي ما الذي يَفوت على من يختار الطب على غيره من المجالات؟ فإذا تبين أنه يفوّت على نفسه فرصاً أفضل تتوفر في المجالات الأخرى، فإنه ليس من الغريب القول إن هذه المهنة غير جاذبة.
نبدأ بكلفة الدراسة في كلية الطب البشري مقارنةً بالكليات الأخرى، فهي تبلغ ضعفاً أو ضعفين في أي جامعة، وذلك بالنسبة للجامعات غير المجانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً الفارق في مدة الدراسة.
وينهي طالب الطب دراسته خلال 6 سنوات، بينما الطالب في أكثر الكليات الأخرى ينهي دراسته خلال 4 سنوات، وإذا حصل كل واحد منهما على وظيفة في السنة التالية، فإن أول راتب يتقاضاه خريج الطب في سن الـ25، بينما زميله تقاضى أول راتبه له بعمر الـ23. علماً بأن السنة الأولى لعمل خريج الطب هي سنة الامتياز، بينما الآخرون لا يمرون بالضرورة بسنة تدريب.
وبينما لا يحتاج خريج أي كلية إلى مزيد من الدراسة لكي يصل إلى قمة الهرم المهني في مجاله، فإن الطبيب بعد إنهاء سنة التدريب، يكون أمام الخيار بين العمل ممارساً عاماً إلى النهاية أو الالتحاق ببرنامج إقامة مدته بين 4 و5 سنوات، يزاول خلالها عمله كطبيب ويخوص امتحانات التخصص. وبانتهاء البرنامج في عمر الـ29 أو الـ30، يصبح إما أخصائياً أو استشارياً، وذلك تبعاً لتقييم برنامج الإقامة. ويكون عندها قد بلغ قمة الهرم الوظيفي الفني في الطب.
وفي المحصّلة، نجد أن فرصاً بديلة تتوفر لمن اختار غير الطب، هي نفسها الفرص التي تَفوت على من اختار الطب، خصوصاً أنّ التفاوت في الرواتب فيما بين القطاعات بسيط، إذا ما استثنينا مَن يتوجهون للعمل لحسابهم الشخصي، سواء في مهنة الطب، أو أي مهنة أخرى.
هذه الفرص البديلة تبدأ في الكلفة العالية لكلية الطب، وطول فترة الدراسة، وحجم الجهد والمثابرة، ثم ببداية جني ثمار التخصص بالأجور الشهرية، وبما لا يحتاج إليه من اختار قطاعاً آخر من دراسة إضافية أثناء عمله ليصل إلى قمة الهرم في مجاله. وتترتب على هذين الاعتبارين فرصة البدء مبكراً في التخطيط للحياة من حيث السكن والزواج وإنجاب الذرية، ثم قلة الراحة أثناء العمل، والحياة الاجتماعية، وممارسة الهوايات، والبقاء متصلاً على الدوام بآخر المستجدات العلمية وتحديث المعلومات، فضلاً عن المسؤولية الطبية التي تعتبر هاجساً دائماً لأي طبيب.
لا بد إذن من العمل على تقليل تكلفة الفرص البديلة للطبيب، لضمان بقاء جاذبية هذه المهنة التي تمثل خط الدفاع الأول عن الإنسان.
*كاتب إماراتي